حسن عبدالرضي الشيخ

حسن عبد الرضي الشيخ

منذ فجر انقلاب ٣٠ يونيو ١٩٨٩، كان أكبر هاجس لنظام الإنقاذ هو النقابات. فالانقلابيون أدركوا أن الحركة النقابية السودانية بصلابتها التاريخية كانت حجر العثرة الأكبر أمام طموحاتهم في التمكين والنهب المنظم. لذلك جاء أول سهم في صدر الثورة السودانية موجهاً نحو النقابات، بدءًا من نقابات الأطباء والمعلمين والعمال والمحامين، وصولا إلى كل الكيانات المهنية الحرة.
الإنقاذ لم تكتف بحل النقابات الشرعية المنتخبة، بل استبدلتها بأجسام هلامية مصنوعة على عينها، هشة البنيان، يسهل التحكم فيها وتوجيهها، حتى تتحول من أدوات دفاع عن الحقوق إلى أدوات لتمرير السياسات وإضاعة المكتسبات.
غيّر النظام قوانين تكوين النقابات، وألغى الهياكل التي كانت تضمن التمثيل القاعدي الديمقراطي. فمثلا، كانت نقابة المعلمين تتكون من فرعيات ومركزيات في المراحل الثلاث (ابتدائي، متوسط، ثانوي)، ويلتقي ممثلوها في النقابة العامة المكونة من ١٥ عضوا، برئاسة ممثل المرحلة المتوسطة، وسكرتارية من المرحلة الثانوية، وأمانة مال من المرحلة الابتدائية. هذه الصيغة الديمقراطية تم نسفها بالكامل، واستُبدلت بهياكل مزيفة تخضع للولاء الحزبي لا للكفاءة أو خدمة المهنة.
خراب ثلاثين عاماً وزادها البرهان اعواما، نرجو ان لا يتحقق له المراد منها.
على مدى أكثر من ثلاثة عقود، كانت هذه “النقابات المصنوعة” أداة للقمع والإفقار. بدل الدفاع عن المعلمين، ابتكرت وسائل لابتزازهم واستقطاع جزء من رواتبهم التعيسة دون مقابل، ولم تطلق أي مشروع جاد لتخفيف المعاناة أو كسر دائرة الفقر. على العكس، ساهمت في تكريس الفقر وجعله نمط حياة للمعلم، فيما قياداتها يركبون السيارات الفارهة ويبنون العمارات الشاهقة.
الأدهى أنهم تحولوا إلى مصدر معلومات للأجهزة الأمنية، يقدمون قوائم المعلمين الناشطين ليُزجّ بهم في المعتقلات ويُعرضوا للإهانة والقتل بطرق بشعة، في مشهد يجعل هذه النقابات اليد الباطشة للأجهزة القمعية.
كما مارسوا الإهانة والنقل التعسفي والتشريد ضد المعلمين، لإبقائهم خانعين خائفين.
وعم الفساد والمحسوبية، إذ لم تسلم هذه النقابات من أمراض الخدمة المدنية: فساد، محسوبية، استحواذ على فرص المنح والامتيازات، واحتكار المكاسب مثل مدارس الصداقة وامتحانات الخارج ذات العوائد الدولارية، والتي كانت حكرا على الموالين للنظام.
واليوم، هل تجدي العودة المشبوهة؟
فها هي محاولات إعادة بعث هذه النقابات التي قبرها الشعب وشبعت موتاً في ظل الحرب المدمرة، تؤكد أن إشعال الحرب كان جزءاً من خطة لإعادة السيطرة على الصوت النقابي. لكنها عودة ليست من أجل المعلم أو التعليم أو بناء المستقبل، بل من أجل استمرار النهب والسيطرة، وإطالة أمد الفقر وهزال المرتب ومعاناة المعلم. لكن الطريق إلى الأمام، فعلى المعلمين أن يدركوا أن الوحدة والتماسك، والتصدي عبر الوسائل المدنية المجربة، هو الطريق الوحيد لضمان حياة كريمة لهم ولأبنائهم. الإذعان لنقابات بلا شرعية لم يعد ممكناً. المقاومة واجب، ولجنة المعلمين السودانيين ستكون في المقدمة حتى تُترك النقابات لأصحاب الشأن دون تدخل السلطة، وفقاً للاتفاقية الدولية (٨٧) التي صادق عليها السودان.
هذا حق أصيل لن نتنازل عنه أبداً.

المصدر: صحيفة الراكوبة

شاركها.