مولانا عبدالقادر محمد أحمد

 

عبد القادر محمد أحمد

يبذل كتّاب المواقع والصحف الإلكترونية السودانية، جهدًا مقدَّرًا في تناول قضايا الساعة، وعلى رأسها الحرب وكل ما يتصل بها. وتتيح هذه الكتابات للقراء التعبير عن آرائهم، اتفاقًا أو اختلافًا. بعضهم يعبّر عن رأيه بلطف وبعضهم بحدّة. وتبقى في نهاية الأمر، وجهات نظر تُحدث حوارًا وحراكًا مطلوبًا.
الملاحظ أن بعض القراء يلعنون الكتابات التي تدعو للحوار والتوافق، أو التي تناشد البرهان والكيزان إنهاء الحرب، إذ يعتبرون ذلك نوعًا من الاستجداء لأشخاص ميؤوس منهم. ولذلك رأيتُ أن أوضح هنا بعض الجوانب التي قد تمنح هذا النوع من الحوار بين الكاتب والقارئ بُعدًا وفهمًا أوسع.
لا اختلاف في أن الكيزان يصرّون على الحرب لضمان استمرار حكمهم، ولأنها وسيلتهم للقضاء على الثورة والهروب من المحاسبة عن جرائمهم السابقة والمستمرة. لذلك، لا يستجيبون للمناشدات بإنهاء الحرب، بل يواصلون ارتكاب الجرائم.كذلك، حسم البرهان موقفه بالانقلاب على الثورة متحالفًا مع الكيزان، فربط مصيره بمصيرهم، وجعل أي تراجع أو تسوية مع القوى الثورية شبه مستحيل، خشية فقدان الحماية ومواجهة المحاسبة.ومع ذلك، في تقديري، تظل الكتابة والدعوة للسلام مطلوبة، للآتي:
1 الثابت أنّ الكيزان، ومنذ انقلاب أكتوبر واندلاع الحرب، وكعادتهم، سخّروا كل إمكانيات الدولة الإعلامية للتشويش على الحقائق، بادّعاء مشروعية الانقلاب ومن أشعلوا الحرب، وأهمية استمرارها. لذلك كان لا بد من وجود إعلام مضاد يكشف الحقائق للناس، ويحمي التاريخ من التزييف، ويكون لسان حال الضحايا، وينزع الإحباط ويزرع الأمل ويبث الوعي وثقافة السلام. ومن ثمّ تصبح الكتابة واجبًا أخلاقيًا على كل صاحب قلم، لا مجرّد خيار.وهنا لا بد من الإشادة والتذكير بأهمية الدور الوطني الذي يقوم به كُتّابنا، خصوصًا المداومين منهم، في هذه الظروف العصيبة.
2 إن الدعوة إلى الحوار والمطالبة بإنهاء الحرب هي جوهر الدعوة إلى السلام. وصاحب القلم لا ييأس أمام تعنّت المصرّين على الحرب، لأن موقفه لا ينبع من استجداء لأحد، بل من قوة منطق الحق، وبخطاب يواجههم بجرائمهم، ويكشف دورهم في تأجيج الحرب، ومصالحهم الشخصية في استمرارها، ويتمسك بعدم الإفلات من العقاب.
3 كما أن هذه الدعوات تمثل ضغطًا نفسيًا داخليًا متواصلًا، يتكامل مع الضغوط الخارجية المطالبة بوقف الحرب، فتتضافر الجهود عسى أن يعلو صوت العقل على العناد. ولا يفوتنا أن دعاة الحرب يعيشون حالة نفسية أسوأ من حالة ضحاياهم، وإن حاولوا أن يظهروا بخلاف ذلك.وحتى إن لم يستجيبوا فإن استمرار الحرب يضعف ويفضح موقفهم أكثر، ويحرك الرأي العام المحلي والدولي ضدهم، ويجعلهم في عزلة حتى من داعميهم.
4 إن الدعوة إلى الحوار وإنهاء الحرب لا تقلل من الإيمان بقدرة الثورة على هزيمة أعدائها يوم تقف الحرب ويجتمع شتات الشعب. غير أن الملايين الذين يعيشون معاناة الحرب الآن، لا يملكون ترف الخيار في كيفية تحقيق السلام. فالتحدي الحقيقي الآن يكمن في وقف معاناة الناس وحفظ كرامتهم.تمسّكًا بكل ذلك، وما دام دور القلم هو الدعوة إلى السلام، فلا ينبغي أن ينكسر هذا السلاح تحت أي مبرر، حتى لا يعلو صوت دعاة استمرار الحرب. فيكونوا قد نجحوا في جرّ دعاة السلام إلى مربع الحماقة والعناد الذي يتحصّنون فيه.

المصدر: صحيفة الراكوبة

شاركها.