جعفر محمدين عابدين

في واحدة من أبشع الجرائم التي تُضاف إلى سجل حكومة بورتسودان المليء بالانتهاكات والعار، تُحاكم الفتاة البريئة يواء بتهمة التعاون مع قوات الدعم السريع. هذه التهمة ليست سوى فرية كبرى وذريعة لتصفية بعض المجتمعات المهمشة، التي عانت لعقود من سياسات الدولة المركزية العنصرية القابضة على البلاد بالحديد والنار.

قضية يواء ليست حادثة فردية، بل فصل جديد من فصول العنصرية الممنهجة التي تنخر جسد الدولة السودانية.( المجتمع السوداني) الحرب الأخيرة كشفت حجم الأحقاد الكامنة،وسط المجتعمات السودانية حيث شهدنا عمليات تصفية على أساس العرق واللون. المجرم كيكل ارتكب جرائم يندى لها جبين الإنسانية بحق مجتمعات العمال الزراعيين من سكان الكنابي والمقيمين من دولة جنوب السودان. ومع ذلك، فهو اليوم حرّ طليق، يتمتع بمكانة عسكرية تمكّنه من ارتكاب المزيد من القتل والتشريد، بينما تحتضنه حكومة الأمر الواقع في بورتسودان وتقدّمه كبطل قومي.

اليوم تُحاكم فتاة يتيمة الأبوين بالإعدام، فقط لأنها اتُّهمت بالتعاون مع قوات الدعم السريع وهي قوات وُلدت من رحم القوات المسلحة، باعتراف قادتها أنفسهم لكن الدولة التي أنجبت هذه القوة هي نفسها التي تحاكم الأبرياء لمجرد تعاملهم معها. أي منطق هذا؟ وأي قانون ذاك الذي يُبنى على دوافع عنصرية مقيتة تستهدف تصفية مجتمعات كاملة، وتهجيرها، وهدم بيوتها، فقط بسبب انتمائها الجغرافي أو العرقي؟

لم ترتكب يواء أي ذنب سوى أنها تمسكت بالبقاء في بيتها وسط الحرب، مثل آلاف المواطنين. لكن الدولة المركزية العنصرية اختارت أن تجعل منها هدفاً، بينما تلمّع صورة القتلة وتمنحهم الشرعية.

هذه الازدواجية في المعايير ليست وليدة اللحظة، بل هي امتداد لخلل بنيوي متجذّر في الدولة السودانية منذ الاستقلال، خلل منع قيام حوار وطني حقيقي، وأدى إلى شيطنة كل من يجرؤ على قول “لا” في وجه السلطة، ودفع كثيرين لحمل السلاح كخيار وحيد لانتزاع حقوقهم.

الخلاصة
محاكمة يواء وتمجيد القتلة تلخّص جوهر الأزمة السودانية: دولة مركزية عنصرية، تحمي المجرمين وتضطهد الأبرياء. دولة لا تحترم حقوق الإنسان، ولا تعرف قيمة العدالة. قانونها قائم على مبدأ: القوي آكل، والضعيف مأكول. لذلك، فإن إصلاح السودان يبدأ من هدم هذا البنيان الظالم وإعادة بنائه على أسس المساواة والعدالة.

 

[email protected]

المصدر: صحيفة الراكوبة

شاركها.