خالد فضل
تعلمت على يدي أستاذنا د. عبدالله علي إبراهيم ؛ الكثير , خاصة لغته الجزلة وعبارته الفنانة , وعلى ايام ترشحه في أوج ديمقراطية البشير, كتبت في أجراس الحرية عن المثقف الرئيس , تمنيت الفوز للبروفسور في انتخابات لا يمسسها طائف من تزوير أبدا , فالبشير ؛كما البرهان اليوم في الأقاليم التي لم يغادرها جيشه ومليشياته منذ إندلاع القتال , أو تلك التي أعاد السيطرة عليها تحت لافتة التحرير , كان حينها يمارس نفس ديمقراطية البرهان اليوم , تلك الديمقراطية التي أراها الفريق أول الركن لضيفه الفيلسوف الفرنسي الذي زار بورتسودان , ورأي كيف أنّ السلفي الجماعي كان حاضرا أينما وقف البرهان وضيفه الفيلسوف عند جماعة من المتنزهين على الكورنيش الرائق البديع .مما حدا بالبرهان لمخاطبة معجبيه ( أروا المدعين الديمقراطية فهي ههنا ) وأشار بقبضة اليد كما أعتاد .
على ايام البشير , أعادها الله باليمن والبركات على دولة النهر والبحر , كانت الحشود تتحامل على ضنك عيشها وتتحايل على مسغبة ومرض وعتمة مستقبل أجيال لعدم الحصول على الحق في التعليم , وتمضي مزهوة مشدودة بالهتاف , سير سير يا البشير , قبل أن يختم اللقاء الحاشد بالطرب على وقع (دخلوها وصقيرا حام) فترى الكل يزاحم ليرى وجهه على شاشة الفضائية (بعدين) عند التاسعة أو العاشرة مساء وهو مبتهج مع القائد الملهم الذي يجيد ضمن موروثه الثقافي الرقص والهجيج . بل لقد بلغ الوله بالبشير حدّا جعل سيدة من عامة أهلنا في دارفور ؛ تقطن مخيمات النزوح , لجعل هتافها ضد أوكامبو تاييدا لسيادة المشير . فقد تراءى لها أوكامبو مجرد متجن على السيادة الوطنية , أداة استعمارية , طالما نهض لمؤازرة تلك السيدة وأضرابها ممن بعثر حياتهن الجند تحت إمرة البشير نفسه وكان من ضمن جنده الجنجويد !! طبقت عمليا مفهوم السيادة الوطنية كما يريده الحاكم المستبد , إذ به وعنده تبدأ وتنتهي الحدود , هو الشعب والشعب هو , ففيما الغلبة يا صفوة الليبراليين من جماعات صمود , إذ لا يستطيع الواحد منكم اليوم المشي في شوارع لندن باطمئنان , ناهيك عن اسفلت بورتسودان . لأنكم , خادعتم الشعب يوم تبنيتم شعار (حرية سلام وعدالة) أو تجرأتم على نسف ركائز ديمقراطية البشير التي ليس لها نظير , فاثارت إعجاب فيلسوف فرنسي أشار إليه أستاذنا البروفسور , مثلما أنهى إلى علمنا المتواضع , نبأ زيارة الصحفية الأمريكية لقرية الأحامدة فرأت كيف هي نهاية الليبرالية في السودان إلى حطام الفوضى والتخريب .
استاذنا عبدالله , يوم نازل البشير سعى لعقد ندوة في حلة كوكو من نواحي بحري الخرطوم , ليس بعيدا عن مقر جهبيز لجهاز الأمن والمخابرات , وجار لصيق لحي كافوري حيث البشير يقيم مجاورا مسجد النور ومول سناء . قف عند هذا الحد , ولا تعبر شمالا , إذ تقف العزبة بكل عذاباتها وإجرامها حائلا بين صفوة النقاء العرقي ونسل القرشيين , مما سيتصل بأفعال الإزالة للعشوائيين فيما بعد . المهم أنّ أناسا من صفوة الليبراليين , جاءوا إلى المحفل الوسيم , ليسمعوا برنامج المثقف الرئيس , وهو حق ليبرالي بامتياز , لكن ديمقراطية البشير لم تر فيه إلا ما يراه هو اليوم من فعائل البرهان ؛ وجه حق لأن الديمقراطية معيارها سير سير .. لقد هتف هاتف في ودالنورة قبل أيام سير سير , فلما وجد آخر المشجَّع للسير نون وليس راء , مارس حقّه الديمقراطي في تغيير الهتاف إلى حيث تستقر القافية (جيش واحد شعب واحد) . مشكلة صفوة الليبراليين في التفكيك , فمتى سالوا عن الجيش الواحد , وجدوه أمامهم في مروي دروع الشمال وفي أبي حمد وفي البطانة وكردفان وعند شيبة ضرار ملتحما عند الأمين داؤود بأسياس , وفي أم درمان رفقة العطا براؤون فقط , ولمناوي نصيب وكذا تمبور , جيش واحد . أمّا الشعب الواحد فليس في حسابه ابدا , أم قرون ولا أم جضوم ولا أم ضفيرات لا تتجاوز قمقمة الراس . بل ولا الفونج الجديد , وربما بعض رفاعة اب روف . الشعب واحد طالما هتف عفويا للبرهان وطلب مصافحة يده الكريمة وعطائه اللامحدود في سوق الناس إلى حرب لا تبقي أحدا ولو استمرت مائة عام .
واستاذنا , يمجّد , وبلغته الجزلة يكيل مقادير من السخط , لصحفي يتحدث عن فساد الكهرباء ؛محمد لطيف , ولصحفية ذاع صيتها في بقر بالون الأوهام المنتفخة اسمها رشا عوض . فهو وهي وغيرهم من صفوة الصمود إنما شوية ليبراليين , انتهت صلاحيتهم في طيبة الأحامدة , لتبدأ ديمقراطية البرهان من حيث المتنزهين عند الساحل الشرقي , ومن حيث تناولت ندى القلعة السلات , بعد أن شنّفت الآذان وألهبت الوجدان بحداء باتع وصوت شجي (جنابو العزيز تيرابو ) . لا بأس فقد خبر استاذنا ديمقراطية جنابو يوم فضّ تجمعه الانتخابي ذاك في حلة كوكو , معتذرا لمن تجشم عناء الحضور بأسباب فنية , ربما عطل في الساوندسيستم . إذ لا يجوز الطعن ابدا في ديمقراطية من سارت باسمه الحشود من الروصيرص لام دافوق سير سير يا البشير , ولعل استاذنا وهو الباتع في علم التاريخ يفيدنا في شأن ديمقراطية الحاكم العام الانجليزي وهو متبوع بالهتاف , لم يك على ايامه السلفي , فضاعت على آبائنا وأجدادنا فرصة التوثيق لممارستهم الديمقراطية وهم يهتفون ..( ناو ناو مستر هاو ). ناو تشجيعا له على انزال اقصى العقوبات في مثيري الشغب من صفوة الليبراليين , فقد جاء من بعدهم التوم هجو يشيع في فضاء السوق الافرنجي وشارع القصر ديمقراطيته المحببة ( يا البرهان زيييع البيان) فألهم أستاذنا آية أخرى من آي التذكير الفخيم بأصول الديمقراطية التي أساسها الهتاف .
بينما يغض الطرف ؛ عن سعة علم بالطبع , عن أي ممارسة أخرى لها فيما تشمله قرارات مسجل عام تنظيمات العمل بإلغاء تنظيمات العمل النقابية متى انتخبها قاعدة مهنية , فجواز مشروعيتها فيما يقرر بشأنها الريس المحبوب ديمقراطيا , ممن غفر له شعبه ركاكة في أداء مهامه الاصلية وانهماكه عوضا عنها في (حيازاته) الشخصية , فالشعب على كل حال معجب بالضرورة بمسلسل مهند ونور (التركي) لأن تصويره في بعض اللقطات مما يحمل عمران العقارات والفلل الراقية هناك , وهو مستوى التخطيط العمراني الذي يأمل فيه من يزيح العشوائيات الآن عن وجه الخرطوم الصبوح , وحديقتها الخضراء محلية الصناعات بالباقير تبع الجزيرة والكاملين . واستاذنا , ليس من الصفوة الليبرالية , فهو كان شيوعيا , وصار إلى ما صار اليوم خاتف لونين ؛ كما هي سمرة في أهلنا النيليين . وتلك ديمقراطية أخرى ربما رائدها الطيب مصطفى وخلفه عمسيب .
المصدر: صحيفة التغيير