تشهد عدة مناطق بالجنوب المغربي خلال هذا الشهر احتضان مجموعة من المواسم الدينية أو “إلموكارن” باللغة الأمازيغية، التي تستقطب آلاف الزوار من داخل المغرب وخارجه، على غرار موسم “سيدي أحمد أوموسى” بمنطقة تازروالت، والموسم السنوي لـ”القطب الرباني والولي الصالح” الشيخ ماء العينين بتيزنيت، وموسم الولي “سيدي بوالصدقة” بمنطقة العربان السيحل، وغيرها من مواسم الأولياء الذين يحظون بمكانة مهمة في المخيال الشعبي المحلي، كما تحظى أضرحتهم بقدسية ظاهرة تنطوي في كثير من الأحيان على “خرافات” تحتاج إلى التصحيح.
وتتحول المناطق التي تحتضن هذه المواسم الدينية، أو “حج الفقراء” كما يسميها الكثيرون، إلى فضاءات للتأمل والتواصل الروحي، تمتزج فيها الطقوس الصوفية بالفولكلور المحلي. وتلعب هذه المواسم أدوارًا مهمة في الحفاظ على نمط التدين الشعبي للسكان المحليين وتناقل القيم الروحية وأشكال التدين المعتدل بين الأجيال، كما تشكل فرصة لإنعاش الاقتصاد المحلي عبر الأنشطة التجارية والحرفية المصاحبة، مما يجعلها منظومة اجتماعية وثقافية واقتصادية متكاملة، وسدًا منيعًا في وجه خطابات التطرف والتعصب، بما يدعم الأمن الروحي للمجتمعات المحلية.
في هذا الصدد قال صالح المنقوش السملالي، فقيه المدرسة العلمية العتيقة “إلماتن” بمنطقة أنزي بإقليم تيزنيت، إن “هذه المواسم ليست كلها في درجة واحدة، لأن هناك مواسم أصبح يطغى عليها الطابع التجاري بعدما كانت في أصلها دينية خالصة”، مضيفًا أن “المواسم الدينية تساهم في الحفاظ على التراث الديني المحلي من خلال الحفاظ على قراءة وحفظ القرآن الكريم، والأمداح النبوية، ونشر ثقافة إطعام الطعام”.
وأوضح المتحدث ذاته، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن “هذه المواسم تساهم أيضًا في الجانب الإصلاحي من خلال إصلاح الفرد والمجتمع عبر الوعظ والإرشاد، وإصلاح ذات البين، إذ تشكل هذه المواسم فرصة للتصالح وتجاوز الخلافات الأسرية والقبلية، وقد لعبت أدوارًا مهمة في هذا الصدد قبل ظهور المحاكم في شكلها العصري”.
وتابع قائلا: “الوظائف الدينية والاقتصادية والاجتماعية لهذه المواسم لا تنفي ضرورة مراجعة بعض السلوكيات التي ترافقها، سواء في الجانب الديني أو الجوانب الأخرى، كعدم احترام آداب زيارة القبور والطواف حولها وغيرها من المظاهر الخرافية، إلى جانب بعض السلوكيات المخلة بالآداب والأخلاق والمرفوضة مجتمعيًا كالسرقة واستغلال هذه المناسبات للقيام بأعمال الشعوذة، لكن هذا كله لا ينبغي أن يُتخذ حجة للدعوة إلى القطع الكلي مع هذه المواسم، بل يجب الحفاظ عليها مع إصلاح ما يجب إصلاحه”.
وتفاعلًا مع الموضوع أوضح إبراهيم الطاهري، باحث في التاريخ الديني والاجتماعي، أن “المواسم الدينية تدخل في صلب التركيبة الاجتماعية لقبائل جنوب المغرب، فهي مثلها مثل العديد من الممارسات الاجتماعية التي تُمارَس داخل القبيلة وفق أعراف وتقاليد ينضبط لها الجميع داخل المجتمع”، مضيفًا أن “هذه المواسم مرتبطة بالاحتفاء برجال ونساء صلحاء وأولياء لهم مكانة وحظوة اعتبارية علمية أو صوفية في المجتمع”.
وأبرز الطاهري، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن “هناك العديد من المواسم الدينية الشهيرة في المنطقة كموسم “سيدي أحمد أوموسى” بتازروالت، وموسم “سيدي محمد بن براهيم” بتامانارت، وموسم “لالة إعزة تسملالت”، وموسم “لالة تعلات”، وغيرها من المواسم التي تحتل مكانة مميزة في ثقافة المجتمعات القبلية بالجنوب، وتدخل في صميم نمطهم الديني”.
وأوضح أن “المواسم الدينية جامعة مانعة لا تُنظم لسبب واحد، وإنما لأسباب متعددة كممارسة التجارة، والتعارف قصد الزواج، والتواصل وصلة الأرحام بين العائلات والقبائل، وغيرها من الأمور. وبالتالي، فإن المواسم، إلى جانب بعدها الروحي والديني، تساهم في ترسيخ قيم التضامن والتعاون، وإذكاء الشعور بالانتماء الجماعي، والحفاظ على التقاليد المشتركة”.
المصدر: هسبريس