في ظل التدهور المتواصل بين العلاقات الفرنسية الجزائرية، دخلت الأزمة الدبلوماسية بين البلدين مرحلة جديدة من التصعيد، عنوانها تعليق متبادل لاتفاقيات الإعفاء من التأشيرات، وتبادل للاتهامات بشأن انتهاك الالتزامات الثنائية والدولية.
وفي إشارة على تحول نوعي في طريقة تعامل باريس مع الجزائر، تنبني على “فرض قواعد جديدة للندية والاحترام المتبادل”، بعد سنوات من محاولات التهدئة، وجه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الشرارة الأولى للتعامل بـ”مزيد من الحزم والتصميم” مع ما وصفه بـ”الانتهاكات” التي يتعرض لها مواطنون فرنسيون في الجزائر،
وفي هذا السياق أكد الخبير في العلاقات الدولية أحمد نور الدين، أن الأزمة بين الجزائر وفرنسا ليست أزمة عابرة، إنما هي طويلة الأمد، ويكفي التذكير بعدد المرات التي سحبت فيها الجزائر سفراءها من باريس منذ 2020 إلى الآن، لأسباب متعددة منها تصريح الرئيس الفرنسي الذي وصف الجزائر أنها لم تكن أمة قبل الاستعمار الجزائري، إضافة إلى تصريح آخر يبرز ان الرئيس الجزائري بدون صلاحيات، يعني رئيس صوري، وأنه عالقا بين فكي آلة النظام العسكري.
وأضاف الخبير في تصريح له لجريدة العمق، أن الأزمة ليست فقط أزمة تأشيرات أو مصالح اقتصادية بل هي أزمة هوية وأزمة تاريخ، بدليل أن الجزائر قبلت أن تشكل لجنة مع فرنسا يترأسها المؤرخ الفرنسي اليهودي بنجامان ستورا من أجل إعادة كتابة تاريخ بلدها، وهو ما لا يمكن ان تقبل به اي دولة ذات سيادة، هي أزمة متشعبة ومتعددة الجوانب تضرب بجذورها في عمق العلاقات الفرنسية الجزائرية، مما يوضح الارتباط العضوي للنظام الجزائري بالدولة المستعمرة عكس مايدعيه هذا النظام، على حد تعبير نورالدين.
وأشار المتحدث ذاته، أن فرض التأشيرات على الدبلوماسيين ورجال الدولة الجزائرية ما كانت لتحدث كل هذه الردود لدى الدولة الجزائرية وتهز أركانها، لو لم يكن الحبل السري مازال متواصلا بين البلدين، فما تقوم به في هذه الأزمة، على حد تعبيره، هي مجرد حركات استعراضية الغرض منها تضليل الرأي العام الجزائري، أما المصالح الفرنسية فهي محصنة باتفاقيات دولية، وأي مساس بها من حانب أحادي ستدفع الجزائر ثمنه باهضا سواء من خلال أحكام المحاكم التجارية اادولية او من خلال عقوبات الاتحاد الأوروبي.
وأبرز أحمد نور الدين أن الأزمة الحالية بين الجزائر و فرنسا قد تصل إلى إحدى النتيجتين، إما أنها فقاعات في الهواء يطلقها النظام الجزائري للحفاظ على ماء وجهه، وسرعان ما ستعود الجزائر إلى بيت الطاعة عاجلا وليس آجلا كما كان الحال مع اسبانيا. وإما أن فرنسا قررت، بناء على ما لديها من معطيات دقيقة عن الوضع الداخلي المتدهور في الجزائر، أن صلاحية النظام العسكري قد انتهت، ولذلك قد تكون اتخذت قرارا بسحب البساط من تحت أقدامه من أجل تسريع مسلسل التفكك، البداية من التأشيرات وإلغاء الامتيازات لرجال الدولة، وقد تتطور إلى إلغاء اتفاق 1968 حول الهجرة والامتيازات التي تضمنها لفائدة المواطنين الجزائريين، ثم وصولا إلى الحجز على ممتلكات الجنرالات وكبار الدولة مما سيعجل بانهيار النظام الذي أصبح ظهره مكشوفا على المستوى الدولي خاصة بعد انهيار كل حلفائه، كما جاء على لسان الخبير في العلاقات الدولية.
وكشف المتحدث أيضا، أنه خلال ندوة نظمت مؤخرا، بالمدرسة العسكرية بباريس حول مستقبل العلاقات الفرنسية الجزائرية، كان هناك شبه إجماع على أن الدولة الفرنسية العميقة لا تريد انهيار النظام العسكري الجزائري بشكل مباغث وسريع على غرار النموذج السوري او الليبي، كما أنها لا تريد ديمقراطية حقيقية وانتخابات حرة نزيهة تقود الاسلاميين إلى سدة الحكم، بل إن فرنسا تراهن على عملية عسكرية “نظيفة”، بمعنى آخر تريد انقلابا أبيضا يقوده الجناح الفرنسي في الجيش الجزائري، لقطع جذور الجناح الروسي في المنطقة، وضمان استمرار المصالح والنفوذ الفرنسي والأمريكي في حقول النفط والغاز .
و ذكر الخبير في العلاقات الدولية في ختام تصريحه أن السبب المباشر في الأزمة الحالية بين فرنسا والجزائر، هو الاعتراف الفرنسي بسيادة المغرب على الصحراء في يوليوز 2024، وهو ما تلاه مباشرة بيان الخارجية الجزائرية الذي أعلنت فيها سحب سفيرها من باريس، وهو ما اعتبرته فرنسا تدخلا سافرا في قرار سيادي لا علاقة له بالجزائر.
المصدر: العمق المغربي