يستعد مجلس المستشارين، خلال الدورتين التشريعيتين المتبقيتين من الولاية الحالية، لمواصلة مبادراته في مجال الدبلوماسية البرلمانية عبر محطات ثنائية ومتعددة الأطراف، وذلك في إطار تنزيل المخطط الاستراتيجي لنصف الولاية 20242027، الذي جرى بلورته بشكل تشاركي من طرف جميع مكونات الغرفة الثانية، وفق آليات ومبادرات جديدة، وتحت إشراف مباشر من رئيس المجلس، محمد ولد الرشيد.

ويأتي هذا المسار في سياق احتفاء مرتقب بما حققه المجلس من نتائج، انسجاماً مع مضامين الخطب الملكية التي شددت على جعل الدبلوماسية البرلمانية إحدى أدوات الدفاع عن القضايا الوطنية الاستراتيجية، وفي مقدمتها قضية الصحراء المغربية، وتعزيز صورة المغرب كشريك موثوق ومؤثر في محيطه الإقليمي والدولي.

من التوجيه إلى الفعل

في الخطاب الملكي لافتتاح السنة التشريعية 2018، دعا الملك محمد السادس المؤسسات المنتخبة إلى اعتماد مقاربة نشيطة للدفاع عن مصالح المملكة ومواكبة التحولات العالمية. وجدد جلالته هذه الدعوة في خطاب افتتاح دورة أكتوبر 2024، محدداً معالم خطة مؤطرة للعمل الدبلوماسي للبرلمان بمجلسيه.

ومنذ ذلك التاريخ، شرع مجلس المستشارين في تفعيل مخططه الاستراتيجي لنصف الولاية 20242027، عبر تكثيف الزيارات إلى برلمانات الدول الصديقة والشريكة، خاصة في إفريقيا وأمريكا اللاتينية وأوروبا، واحتضان مؤتمرات دولية وإقليمية بالرباط، جعلت منه منصة حوار حول قضايا الأمن الغذائي والهجرة والتنمية المستدامة. كما واصل المجلس حضوره الفاعل في محافل برلمانية دولية، مثل الاتحاد البرلماني الدولي، وبرلمان البحر الأبيض المتوسط، والجمعية البرلمانية للاتحاد من أجل المتوسط.

القضايا الوطنية في صلب التحركات
ظل ملف الصحراء المغربية محوراً ثابتاً في أجندة الدبلوماسية البرلمانية للمجلس. فقد حرص المستشارون، بمختلف انتماءاتهم، على تقديم خطاب موحد أمام نظرائهم الأجانب، مسنود بحجج قانونية وتاريخية وسياسية تبرز وجاهة الموقف المغربي، وتكشف المناورات التي تستهدف وحدته الترابية. وأسهمت هذه الجهود في توسيع قاعدة الدول المؤيدة للمبادرة المغربية للحكم الذاتي، وانعكس ذلك في توصيات وقرارات برلمانية دولية داعمة للمغرب.

واستحضاراً للتأكيد الملكي على أهمية الدبلوماسية البرلمانية والدور الفاعل الذي ينبغي أن تنهض به في كسب المزيد من الدعم لمغربية الصحراء، وتوسيع التأييد الدولي لمبادرة الحكم الذاتي في الأقاليم الجنوبية، باعتبارها الحل الوحيد والنهائي للنزاع المفتعل حول الصحراء المغربية، واصل المجلس تكثيف تحركاته في هذا الاتجاه.

وفي إطار الدينامية الثنائية التي يقودها مجلس المستشارين، بتنسيق مباشر واتصال منتظم مع عدد من المجالس الشقيقة والصديقة، حرصت الغرفة الثانية على توسيع فضاءات التعاون البرلماني الدولي، ولا سيما على المستويين الآسيوي والإفريقي. وقد تميزت الدورة التشريعية المنصرمة باستقبال وفدين برلمانيين رفيعي المستوى، استجابة لدعوة رسمية من مجلس المستشارين، ما عزز الحوار وتبادل الخبرات مع شركاء استراتيجيين.

شراكات استراتيجية وتعاون متنوع
استثمر المجلس شبكة علاقاته لتعزيز التعاون جنوبجنوب، عبر توقيع اتفاقيات مع برلمانات إفريقية وأمريكية لاتينية، وتبادل الخبرات التشريعية. كما أطلق مبادرات مشتركة في مجالات الأمن الطاقي، ومكافحة التغيرات المناخية، وقضايا الهجرة، بما ينسجم مع أولويات الأجندة الوطنية كما وردت في الخطب الملكية.

إلى جانب الدينامية النشيطة على مستوى الزيارات والمنتديات، حرصت شعب المجلس الوطنية الدائمة ووفوده البرلمانية على الانخراط الجاد في مختلف الفعاليات الإقليمية والدولية، التي شكلت فضاءات أساسية لتبادل الرؤى وتقاسم التجارب بشأن القضايا ذات الأولوية المشتركة.

إشادة دولية وحضور مؤثر
لم يقتصر حضور وفود المجلس في المنصات الدولية على المشاركة الشكلية، بل تميز بتقديم مقترحات عملية ومساهمات فكرية، جعلت من التجربة المغربية في الانتقال الديمقراطي والتنمية المستدامة نموذجاً يحظى بالاهتمام الدولي. ونالت هذه التحركات إشادة واسعة من شركاء وبرلمانات صديقة، الذين اعتبروا المغرب فاعلاً موثوقاً يُستمع إليه في قضايا المنطقة والعالم.

تحديات وآفاق المرحلة المقبلة
رغم الزخم الحاصل، يواجه مجلس المستشارين تحديات تتعلق بتعزيز التنسيق مع الدبلوماسية الرسمية، وضمان استمرارية العمل التراكمي بعيداً عن الاعتبارات الظرفية، فضلاً عن توسيع دائرة الحلفاء الدوليين واستثمار القوة الناعمة للمغرب، عبر إشراك الجالية المغربية بالخارج في المبادرات البرلمانية.

ويؤكد المجلس أن رهانه في المرحلة المقبلة هو تقوية التعاون البرلماني الثنائي والمتعدد الأطراف، على امتداد مختلف المناطق الجيوسياسية، للدفاع عن القضايا الاستراتيجية والحيوية للمملكة، وفي مقدمتها القضية الوطنية.

شاركها.