وتفاقمت الأزمة بسبب ارتفاع جرائم العنف القائم على النوع الاجتماعي، مثل الاغتصاب، التي تعيق وصول النساء إلى المساعدات. وكشف تقرير رسمي عن تسجيل 1,138 حالة اغتصاب منذ نيسان/أبريل 2023، معظمها في مناطق النزاع، وقد تكون الأعداد الفعلية أعلى بكثير بسبب الخوف من الوصمة الاجتماعية.
في خضم هذه الظروف الصعبة، برز دور المنظمات التي تقودها نساء كـ “العمود الفقري” للاستجابة الإنسانية. هذه المنظمات تصل إلى المناطق التي يصعب على الوكالات الدولية الوصول إليها، وتدير مطابخ مجتمعية وتقدم الرعاية الصحية وتوفر الحماية للأسر النازحة. وعلى الرغم من دورها الحيوي، إلا أن هذه المنظمات تعاني من نقص حاد في التمويل، مما يهدد استمرار عملها.
المزيد في الحوار الذي أجراه الزميل عبد المنعم مكي أخبار الأمم المتحدة مع سالفاتور نكورونزيزا، ممثل هيئة الأمم المتحدة للمرأة في السودان.
أخبار الأمم المتحدة: ما الأدوار التي تشغلها النساء السودانيات في سبيل تأمين المساعدة الغذائية العادلة مقارنةً بالرجال؟
سالفاتور نكورونزيزا: تتمتع النساء بمكانة محورية في سبيل نجاة أسرهن، خاصة في أوضاع النزوح، لكن قدرتهن على الوصول إلى المساعدة الغذائية معرضة للخطر بشدة. فالأسر التي تعيلها نساء والتي كانت بالفعل أكثر عرضة لانعدام الأمن الغذائي بثلاث مرات هي الآن المجموعة الأكثر جوعا في البلاد.
الأسر التي تعيلها نساء… هي الآن المجموعة الأكثر جوعا في البلاد
غالبا ما تكون طوابير الغذاء مكتظة بالرجال مقارنة بالأسر التي ترأسها نساء. وفي الوقت نفسه، تُستبعد النساء إلى حد كبير من الآليات المجتمعية ومساحات صنع القرار، لذا فإن احتياجاتهن الخاصة واحتياجات أسرهن غالبا ما يتم التغاضي عنها.

أخبار الأمم المتحدة: كيف تصف تجربة النساء والفتيات في السودان عندما يتعلق الأمر بحقوقهن، والقضايا المحددة التي يواجهنها في الحصول على المساعدة الغذائية مقارنةً بالرجال؟
سالفاتور نكورونزيزا: قبل النزاع، واجهت النساء والفتيات تحديات في الحصول على حقوقهن بسبب الأعراف الثقافية والممارسات التقليدية. الآن، وسّع النزاع الفجوات. فقد تسبب النزاع الحالي في اضطراب كبير، مما أدى إلى مغادرة العديد من النساء السودانيات لمنازلهن وفقدان مصادر رزقهن.
إن وصول النساء إلى المساعدة الغذائية والتحكم فيها في السودان أمر معقد ولا يمكن تعميمه. ومع ذلك، بالنسبة للنساء والفتيات النازحات اللاتي يغطيهن مشروع صندوق السودان الإنساني (SHF) على سبيل المثال، فإن الوصول إلى الغذاء مرتفع نسبيا بين الأسر التي ترأسها نساء 87% في كسلا و 82% في القضارف. ويرجع ذلك جزئيا إلى حقيقة أن هذه المناطق يسهل الوصول إليها وآمنة ويمكن للوكالات الإنسانية الوصول إليها.
في مواقع أخرى مثل الجزيرة والخرطوم، هناك حاجة لتحسين وصول النساء والفتيات إلى الغذاء والمساعدة الغذائية. وفي المناطق المتأثرة بالنزاع مثل كردفان، تتسرب الفتيات المراهقات من المدارس للبحث عن الطعام، مما يعرضهن لخطر كبير من الاستغلال.
عبر جميع المناطق، نشهد زيادة في آليات التكيف الضارة والسلبية مع انعدام الأمن الغذائي الشديد مثل تزويج الأطفال، والاستغلال الجنسي، وختان الإناث، وعمالة الأطفال وكلها مرتبطة بانعدام الأمن والوصول، مما يؤثر بشكل مباشر على انعدام الأمن الغذائي للنساء والفتيات.

أخبار الأمم المتحدة: كيف حالت الجرائم المرتبطة بالنوع الاجتماعي دون حصول النساء على الغذاء؟
سالفاتور نكورونزيزا: نعم، يجب أن أقول إن هذه الأزمة هي حالة طوارئ جنسانية. فالنساء والفتيات النازحات قد يتعرضن لمخاطر الاستغلال والانتهاك، خاصة أثناء تسليم المساعدات، حيث تكون آليات الحماية من الاستغلال والانتهاك الجنسيين ضعيفة أو غائبة في بعض المواقع.
هذه الأزمة هي حالة طوارئ جنسانية
وفقا لوحدة مكافحة العنف ضد المرأة في السودان، تم تسجيل 1,138 حالة اغتصاب، شملت 193 طفلا، في الفترة من نيسان/أبريل 2023 وحتى آذار/ مارس 2025. وقد تم تسجيل معظم هذه الحالات في المناطق المتأثرة بالنزاع. وقد يكون العدد الفعلي أعلى لأن الخوف من الوصمة الاجتماعية وأسباب اجتماعية وأمنية أخرى تمنع الإبلاغ الدقيق عن جرائم العنف القائم على النوع الاجتماعي.
بالتأكيد، يمكن لهذه الجرائم بما فيها الاغتصاب والتحرش أن تمنع النساء والفتيات من الوصول إلى المساعدة الغذائية.
قد تكون جرائم العنف القائم على النوع الاجتماعي غير المبلغ عنها في المناطق المحاصرة أعلى مما تظهره الإحصاءات الأخيرة. فالنساء والفتيات هن الأكثر تضررا من انعدام الأمن الغذائي في تلك المناطق، وتشير الأوضاع هناك إلى أزمة جوع وشيكة.

أخبار الأمم المتحدة: كيف فاقم النزاع أوجه عدم المساواة المنهجية ضد المرأة، وما الذي يتعين القيام به لضمان استراتيجيات مراعية للنوع الاجتماعي لتوفير الغذاء والمساعدات للأسر التي تقودها نساء؟
سالفاتور نكورونزيزا: قطعا. لقد ضاعف النزاع كل أوجه عدم المساواة القائمة. فالأسر التي تعيلها نساء، خاصة الأرامل، والنساء النازحات، واللائي يعتنين بأفراد أسرة من ذوي الإعاقة، على الهامش المطلق للاستجابة الإنسانية. ووفقا لأحدث تقرير حول النساء، وانعدام الأمن الغذائي، وخطر المجاعة، فإن ما يقرب من 26% من جميع الأسر التي ترأسها نساء تعاني الآن من انعدام الأمن الغذائي الشديد، مقارنة بـ 14% فقط قبل عام واحد.
لجعل الاستجابة أكثر مراعاة للنوع الاجتماعي، نحتاج إلى تجاوز الخطاب والانتقال إلى العمل:
أخبار الأمم المتحدة: هل يمكنك التحدث أكثر عن مساهمات المنظمات التي تقودها نساء على الخطوط الأمامية، وتحديدا في التحديات التي يواجهنها؟
سالفاتور نكورونزيزا: المنظمات التي تقودها نساء هي العمود الفقري للاستجابة في العديد من المناطق. ففي الأماكن التي لا تستطيع المنظمات الدولية الوصول إليها، بسبب انعدام الأمن، أو القيود، أو نقص الوصول، تكون المنظمات التي تقودها نساء موجودة بالفعل، وتعمل تحت ضغط هائل.
المنظمات التي تقودها نساء هي العمود الفقري للاستجابة في العديد من المناطق
في غرب كردفان، تدير المنظمات التي تقودها نساء برامج التوعية الغذائية، وتعمل على تزويد العيادات بالطاقة الشمسية، وتدير الرعاية الصحية المتنقلة للأمهات، وتشغل ملاجئ غير رسمية. وفي شمال كردفان، توزع المنظمات التي تقودها نساء الغذاء، وتدير خطوطا ساخنة للحماية، وتساعد العائلات النازحة في العثور على الأمان وغالبا دون الحصول على دولار واحد من التمويل المؤسسي.
في الخرطوم، تعمل المنظمات التي تقودها نساء على تنسيق غرف الاستجابة وتوثيق وضع المرأة، خاصة الآن مع عودة عدد كبير من الأسر طواعية إلى الخرطوم والمناطق المجاورة. وفي شمال الجزيرة وولايات أخرى، نشهد المنظمات التي تقودها نساء تتجمع لدعم المبادرات الأصغر فيما بينها بأي موارد متاحة لديهن.
التمويل المقدم لهن ضئيل، ولا يحظين بالاعتراف
ومع ذلك، لا يزال التمويل المقدم لهن ضئيلا، ولا يحظين بالاعتراف، كما أنهن مثقلات بالعمل. كانت إحدى المنظمات البارزة التي تقودها نساء تدير ستين مطبخا مجتمعيا واضطرت إلى إغلاق خمسة وثلاثين منها لأن التمويل نضب.
كما أنهن يواجهن قيودا رقمية ولوجستية خطيرة، مما يجعل المشاركة في اجتماعات التنسيق شبه مستحيلة. ويجب ألا ننسى المخاطر الجسدية: فالنساء اللواتي يقدن هذه المنظمات يواجهن مخاطر كبيرة.
على الرغم من كل ذلك، لا تزال المنظمات التي تقودها نساء تعمل على إطعام عائلات النساء. إنهن لا ينتظرن الإذن إنهن يستجبن. والسؤال هو ما إذا كان المجتمع الدولي سيعترف بهن أخيرا بوصفهن شريكات متساويات أم سيستمر في تركهن وراء الركب.

أخبار الأمم المتحدة: أخيرا، حدثنا عن الوضع في دارفور، وتحديدا منطقة طويلة، حيث لجأ الآلاف من الأشخاص معظمهم من النساء والأطفال بعد فرارهم من الفاشر.
سالفاتور نكورونزيزا: الوضع مأساوي ومن المستحيل الوصول إليه في شمال دارفور، بما فيها الفاشر المحاصرة منذ حوالي عام. القتال مستمر، والمناطق في كثير من الحالات تسيطر عليها قوات الدعم السريع. بالطبع تحاول الحكومة القتال من أجل آخر معاقلها.
لذا ظل الوصول صعبا للغاية. كما تعلمون، قبل شهرين تقريبا، تم استهداف قافلة تابعة لبرنامج الأغذية العالمي كانت تحاول الوصول إلى مخيم زمزم في مناطق الفاشر، وقُتل أكثر من خمسة أشخاص كانوا جزءا من القافلة. لذا، كان الأمر صعبا للغاية. قد يظن المرء مثلا أن إسقاط المساعدات الغذائية جوا ممكن. ولكن لسوء الحظ، المجال الجوي أيضا غير آمن.
هذا يقودنا إلى ما كنت أقوله: المنطقة لا يوجد فيها سوى المنظمات التي تقودها نساء والمنظمات المجتمعية التي تحاول إنقاذ بعضها البعض، ودعم بعضها البعض بالموارد المحدودة التي تمتلكها. هذه المناطق على حافة المجاعة. إن المجتمع الدولي يحتاج حقا إلى الدعوة إلى عدم استهداف المساعدات الإنسانية والاستجابة الإنسانية، بينما يتفاوض ويدعم ويقود عمليات السلام في الواقع.
المصدر: صحيفة الراكوبة