في ظل استمرار الحرب في السودان، يواجه اللاجئون السودانيون في مختلف الدول، وخاصةً مصر، تحديات متزايدة تهدد استقرارهم وسلامتهم، ومع مرور الوقت، باتت خياراتهم محدودة بين نوعين من العودة إلى وطنهم الممزق: عودة طوعية يفرضها ضيق الحال، وعودة قسرية تقودها حملات اعتقال وترحيل مفاجئة..
التغيير :القاهرة
غادر الكثير من السودانيين البلاد في بداية الحرب بأموال محدودة، أملاً في العودة السريعة. لكن مع طول أمد الصراع، تآكلت مدخراتهم، وباتوا عاجزين عن تحمل تكاليف المعيشة المرتفعة خاصة في ظل انخفاض قيمة الجنيه السوداني.
في دول مثل مصر، أصبحت إيجارات المنازل، وتكاليف الرعاية الصحية، ومصروفات الحياة اليومية عبئًا لا يطاق.
يجد هؤلاء أنفسهم في وضع لا يُحسدون عليه، حيث لا يملكون تصاريح عمل رسمية، مما يضطرهم إلى العمل في وظائف غير مستقرة بأجور زهيدة.
هذا الوضع دفع الآلاف من الأسر والشباب إلى اتخاذ قرار مؤلم بالعودة إلى السودان، على الرغم من المخاطر الأمنية، اعتقاداً منهم أن العودة إلى مناطق هادئة نسبياً قد تكون أفضل من مواجهة الفقر والجوع في الغربة.
حملات اعتقال تنهي الأحلام
على النقيض من العودة الطوعية، تتفاقم ظاهرة الترحيل القسري، التي تستهدف بشكل خاص الشباب السوداني.
في الآونة الأخيرة، شهدت مصر حملات اعتقال واسعة استهدفت السودانيين في مناطق متفرقة، وشملت حتى من يحملون إقامات سارية أو مسجلين لدى مفوضية شؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة.
يتم احتجاز هؤلاء الشباب في مراكز شرطة لفترات تتراوح بين أيام وأسابيع، قبل أن يتم ترحيلهم قسراً إلى السودان، غالباً عبر معبر أرقين، دون تمكينهم من التواصل مع عائلاتهم أو حتى جمع مقتنياتهم الشخصية.
هذه الممارسات أثارت قلق المنظمات الحقوقية التي تعتبرها انتهاكاً لمبادئ القانون الدولي المتعلقة بحماية اللاجئين.
تقارير دولية مقلقة
بناءً على تقارير موثقة من منظمات حقوقية دولية مثل منظمة العفو الدولية، ومنظمة هيومن رايتس ووتش، بالإضافة إلى تقارير من مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين (UNHCR)، هناك العديد من الحالات الواقعية التي توضح بشكل مأساوي تبعات الترحيل القسري للسودانيين من مصر.
وثقت منظمة العفو الدولية حالات لطلاب سودانيين كانوا يدرسون في الجامعات المصرية، تم اعتقالهم أثناء توقفات عشوائية في الشوارع. ورغم امتلاكهم لإقامات سارية أو أوراق تثبت تسجيلهم في مفوضية اللاجئين، تم ترحيلهم بشكل جماعي.
وأدت هذه الحالات إلى انقطاع دراسة هؤلاء الطلاب وتدمير مستقبلهم الأكاديمي، ما جعل عودتهم إلى بلادهم المحاصرة بدون مؤهلات دراسية أمرًا بالغ الصعوبة.
مرضى ومصابون
أشارت عدة تقارير إلى أن السلطات المصرية اعتقلت لاجئين سودانيين أثناء تلقيهم العلاج في المستشفيات الحكومية، خاصة في أسوان، هؤلاء كانوا يعانون إصابات خطيرة جراء حوادث أثناء رحلة هروبهم من السودان. تم نقلهم من المستشفى إلى مرافق احتجاز غير إنسانية، وحُرموا من استكمال علاجهم، مما أدى إلى تدهور حالاتهم الصحية بشكل كبير قبل ترحيلهم، وفي بعض الحالات، تم ترحيلهم رغم حاجتهم الماسة للرعاية الطبية.
مصاب سرطان
وفي يوليو الماضي ألقت السلطات الأمنية المصرية القبض على الشاب السوداني، محمد النور مهدي في منطقة الطالبية بالجيزة، بسبب عدم حمله لأوراقه الثبوتية أثناء سيره في الشارع.
وعلى الرغم من إقامته القانونية عبر المفوضية السامية في مصر وتلقيه العلاج من مرض السرطان، تم احتجازه وإدراج اسمه ضمن قائمة الترحيل.
ناشدت أسرة الشاب الجالية السودانية والمبادرات الحقوقية للتدخل، حيث قام محامون متطوعون من مبادرة “مدد” بمتابعة قضيته.
وأكدت الأسرة أن محمد كان يتلقى العلاج في مصر للاستفادة من كفاءة الأطباء والبيئة العلاجية المتاحة.
وبعد ضغط إعلامي ومنظمات دولية وإنسانية، تم إطلاق سراح الشاب محمد النور مهدي.
وكانت عائلته ومحاموه يطالبون بالإفراج عنه ليتمكن من استكمال جرعات علاجه الكيماوي في بيئة طبية مناسبة، بدلاً من تلقيه العلاج داخل القسم مما قد يضر بصحته.
حالة الأسر والأطفال
وفقاً لتقرير صادر عن “المنصة المصرية للاجئين” ومنظمات أخرى، تم اعتقال وترحيل أسر بأكملها، بما في ذلك أطفال ونساء تم احتجازهم في ظروف غير إنسانية داخل مخازن ومستودعات تابعة لقوات حرس الحدود.
هذه الأسر، التي كانت تسعى للحصول على الأمان، وجدت نفسها في مواجهة الاعتقال والترحيل القسري دون أي إجراءات قانونية أو فرصة لتقديم طلبات اللجوء. وقد وثّقت الأمم المتحدة ترحيل حوالي 3000 شخص من مصر إلى السودان في سبتمبر 2023 وحده.
وتشير تقارير حقوقية إلى أن حملات الاعتقال لم تستثنِ حتى الأفراد الذين يحملون إقامات رسمية أو أوراق لجوء.
هذه الحالات تخلق حالة من الخوف والترهيب في أوساط الجالية السودانية، حيث لا يشعر أحد بالأمان، حتى لو كان يحمل أوراقًا قانونية، مما يفرض عليهم البقاء في المنازل خوفًا من الاعتقال والترحيل المفاجئ.
المصدر: صحيفة التغيير