ما سيمنع فض التحالف مستقبلاً بين الحركة الشعبية لتحرير السودان وقوات الدعم السريع؟
وجدي كامل
رغم اتفاق الحركة الشعبية لتحرير السودان وقوات الدعم السريع في استراتيجياتهما الآنية، خاصة في السعي لإسقاط سلطة الإخوان المسلمين “المتخفية بالقوات المسلحة”، لبناء سودان جديد يقوم على أسس علمانية، إلا أن احتمالات الخلاف المستقبلي بين الطرفين تظل مرشحة للمثول حال تغير المعادلة في العلاقة بالسلطة والاقتراب من الحكم تحت مظلة الدولة المؤقتة، أو الدائمة.
قوات الدعم السريع، من حيث التكوين الأيديولوجي، لا تختلف كثيراً عن التيار الإسلامي الذي تمثله حركة الاخوان الأم، سواء من خلال وجود كوادر سابقة كثيفة في تنظيم الإخوان ضمن صفوفها، أو في طبيعة الخطاب الديني المبسط الذي يتبناه قائدها محمد حمدان دقلو. فعلى الرغم من المواجهة العسكرية التي خاضها دقلو ضد الإخوان، والتي ألحق بها هزائم واضحة، فإن رؤيته للسلطة ما تزال تنطلق من مرجعية دينية ذات طابع محافظ، يختلط فيها الخطاب القَبَلي بالدعوة الدينية، وهو خطاب قد يبدو “أخف غلواءً” مقارنة بالإخوان، لكنه لا يختلف كثيراً في الجوهر، ما تؤيده عدة شواهد في ممارسات قواته العسكرية وبطشها بالمواطنين في ثقافاتهم المحلية بعد ان تعرفنا على تحرش تلك القوات على بعض بائعي الخمور البلدية او المحلية بعدد من مناطق وقرى دارفور وما واجهوه من عنف.
في المقابل، تتبنى الحركة الشعبية لتحرير السودان رؤية واضحة ومتماسكة للدولة العلمانية، تقوم على فصل الدين عن الدولة، وعلى مبدأ المواطنة المتساوية، واحترام التعدد الإثني والثقافي، ومحاربة القبلية والتمييز. إن هذا الطرح يعكس فهماً نقدياً عميقاً لعلاقة الدين بالسلطة، ويرتكز على فكرة أن الدولة ينبغي أن تقف على مسافة واحدة من جميع الأديان، وألا تُبنى تشريعاتها على مرجعيات دينية، بل على أسس مدنية ودستورية تضمن الحقوق والحريات لجميع المواطنين.
هذا التباين في الرؤية والمفهوم تجلّى بوضوح خلال مفاوضات جوبا، حيث فشلت محادثات السلام بين الحركة الشعبية والوفد الحكومي الذي كان يقوده قائد الدعم السريع آنذاك، وهو ما يشير إلى افتقار الطرف الثاني (الدعم السريع) لفهم عميق ومتكامل لمتطلبات الدولة العلمانية المدنية، ناهيك عن تشبّعه بعناصر السلطة الشخصية وحكم الفرد.
إذن، فإن قراءة مستقبل العلاقة بين القوتين لا تدعو بالضرورة للتشاؤم، لكنها تفرض سؤالاً جوهرياً: ما الضمانات الكفيلة بمنع الصدام المحتمل مستقبلاً، وهل التوقيع على الميثاق الذي جرى بنيروبي يعد كافيا لحفظ العهود؟
مما هو واضح ان الضمان الوحيد، والركيزة الأساسية التي يمكن البناء عليها ليس هو الميثاق، بقدر ما هو الدستور. الدستور العلماني الدائم، الذي يتمتع بشرعية وطنية واسعة، ويصاغ بطريقة تعكس التنوع السوداني وتضمن كوابح حقيقية ضد الارتداد عنه. دستورٌ لا يمنح امتيازات لطرف دون آخر، بل يضع جميع الفاعلين تحت مظلة القانون والمساءلة بمنعه العنف والاضطهاد والفساد والنهب واستغلال موارد الدولة للأفراد والجماعات. ويبقى ان القيام بتلك المهمة لا يجب ان تكون حكراً على التحالف، بل بمشاركة كافة القوى السياسية الوطنية.
في هذا السياق، فإن التحدي الحقيقي لتحالف “تأسيس” لا يكمن فقط في تشكيل حكومة انتقالية أو بناء توازنات سياسية آنية، بل في اتخاذ خطوة جوهرية تمضي نحو الإسهام في اقتراح صناعة دستور مستقبلي علماني دائم، يُمثّل العقد الاجتماعي الجديد، ويحول دون عودة الاستبداد الديني أو الفردي، مهما كانت الرايات التي تُرفع.
فهل يتحرك هذا التحالف الناشئ بهياكله التنفيذية نحو هذه المهمة التاريخية؟ أم أن إغراءات التحالفات العسكرية المرحلية ستُرجئ هذا الاستحقاق، وتفتح الباب لصراع قادم يبدو مؤجلاً اليوم، لكنه مؤكد غداً في نظر الكثيرين؟
المصدر: صحيفة التغيير