حـرب السودان في جدول أعمال إدارة ترامب

محمد الامين عبد النبي

تمر الازمة السودانية حالياً بلحظة فارغة تتسم بالتعقيد المتزايد يوماً بعد يوم، والذي لا يمكن معه ترجيح أي سيناريو لما تصبح عليه الاوضاع خلال الفترة المقبلة، خاصة في ظل تشكيل حكومتين في كل من بورتسودان ونيالا. ومع ذلك؛ يمكن النظر الي ما قد يئول اليه المشهد السوداني من خلال تحولات الصراع وفق معطياته الواقع. إلي أي مدى يمكن نجاح السودانيين في بناء توافق حول عملية سياسية تستجيب لرغبة السودانيين في السلام كتحول داخلي؟ وهذا سؤال يصعب الإجابة عليه في ظل الإستقطاب والتدابر وطريقة “السوق الحر السياسي” التي حولت السياسة الي ألاعيب أقرب للسمسرة، والتي سّممت الفضاء السياسي بخطاب يثير الغثيان، ومع ذلك يعد الحوار الداخلي الطريق الأمن والخيار الأفضل الذي يجب العمل عليه بلا كلل أو ملل. وإلي أي مدى يمكن أن تقدم الرباعية أخر المبادرات الخارجية المطروحة مشروع إتفاق لإنهاء الحرب وتحقيق السلام كتحول خارجي؟، ومعلوم بالضرورة أن الولايات المتحدة الأمريكية هي اللاعب الرئيسي في الرباعية، وبالتالي فإن نجاح الرباعية مرهون بجدية إدارة ترمب وتوجهاتها وإستراتيجيتها في التعامل مع حرب السودان.

 

ترتكز السياسة الخارجية للولايات المتحدة بصورة عامة تجاه أي دولة على عاملين؛ وهما أن تكون هذه السياسة نابعة من أهدافها ومصالحها من ناحية، وأيضًا أهمية تلك الدولة في سياستها من ناحية أخرى، بهذا المنظور يمكن تلمس ترتيب السودان في سلم أولويات جدول أعمال الولايات المتحدة. وقد ظلت السياسة الأمريكية تجاه السودان طوال تاريخها تمر بفترات تقارب وتباعد حسب الأولويات، وقد يوضع ملف السودان في الدرج لحين الحاجة؛ بإعتباره لا يمثل أهمية استراتيجية مباشرة بالنسبة إلى الولايات المتحدة. تارةً ينبع الاهتمام بالسودان ضمن السياسة الخارجية تجاه أفريقيا وتارة أخرى ضمن الشرق الاوسط، وفي الأونة الاخيرة برز الاهتمام في سياق التنافس على منطقة القرن الأفريقي والشرق الاوسط.

يتعامل السودان بالمقابل بسياسة خارجية غير ثابتة تجاه الولايات المتحدة تتسم في الغالب بردة الفعل في إطار محيطه الافريقي او العربي وحسب توجهات النظام الحاكم في السودان، هناك رفض للسياسات الامريكية في مجملها ويتغذى هذا الرفض بسبب سياساتها في المنطقة، فهي مسئولية عن الصراع العربي الإسرائيلي وتأجيج الصراع في دول الاقليم، من هذه الخلفية لا يعول كثير من السودانيين على أن تأتي الولايات المتحدة بحل ديمقراطي وإنساني للمسألة السودانية، بدليل التباطؤ في التعامل مع حرب الخامس عشر من أبريل 2023، والتي تعاملت معها بسياسات تخدم المصالح الإستراتيجية والاسرائيلية في المنطقة وصراع المحاور والنفوذ والهيمنة على الموارد ومحاربة الإرهاب، ولا علاقة لها بالقضايا الإنسانية وحماية المدنيين وتحقيق السلام والتحول المدني الديمقراطي، ما يؤكد ذلك تراجع المساعدات الإنسانية وعدم الضغط الكافي على طرفي الحرب ومحدودية المبادرة السياسية وضعف التواصل مع القوى المدنية ذات المصلحة في إنهاء الحرب والتحول الديمقراطي، حتى العقوبات رغم أهميتها لم تودي لتغيير في الواقع ولم تكن أداة فعالة ومؤثرة وفقدت تأثيرها بمرور الوقت.

شهدت فترة عودة ترامب الي البيت الابيض مرة أخرى في يناير الماضي تحولاً نوعياً في سياسات الولايات المتحدة تجاه الشرق الاوسط وأفريقيا حيث أتخذت خطوات جرئية ومثيرة للجدل تهدف الي إعادة التموضع الإستراتيجي للنفوذ الأمريكي، والملاحظ أنها غير مبنية على إعتبارات سياسية بقدر ما ركزت على إعادة ترتيب الاولايات بما يخدم مصالحها الاقتصادية، وتميزت بالبراغماتية حيث تسعى ادارة ترامب الي تحقيق مكاسب آنية تعظم المكاسب الإقتصادية المباشرة خاصة بعد تبنيها حرب تجارية مع الصين، وتراجعها عن دعم المؤسسات متعددة الأطراف، وتهميش المؤسسات الدبلوماسية، مما يجعلها عرضة للتحولات والتغييرات.

تمثل حسابات إدارة ترامب وفقاً لسياساتها الخارجية تجاه السودان في ثلاث قضايا تهيمن على تفكير صانع القرار الأمريكي تتعلق بمحاربة الإرهاب ومواجهة نفوذ روسيا والصين والحفاظ على أمن إسرائيل، وبموجب ذلك تركت الولايات المتحدة مسألة الحرب والسلام في السودان الي حلفائها في المنطقة دون التركيز على الداخل السوداني، بيد أنّ دول الرباعية الثلاث “السعودية والامارات ومصر” تفتقر لإستراتيجية مُشتركة ومُتماسكة إزاء السودان، رغم أن الدول الثلاث تخشى من انهيار الدولة في السودان بما يهدد أمن المنطقة بعودة النظام الإسلاموي، وظهور جماعات إرهابية، وارتدادات الصراع على البيئة الإقليمية ودول الجوار المباشر والدول التي لها مصالح استراتيجية في البحر الأحمر ومنطقة القرن الأفريقي، إذ تدفع حرب السودان إلى مزيد من الاضطراب في البحر الأحمر والممرات التجارية. هذا التوجه الامريكي يفسر إنخراط إدارة ترامب بقوة في ملفات الشرق الاوسط والكونغو الديمقراطية ورواندا، والتعامل الفاتر مع الملف السوداني كملف إقليمي يمكن معالجته عبر الحلفاء. ولعل التباين الواضح بين الدول الثلاث حول طبيعة حرب السودان وإرتباط هذه الدول بأطرافها وتضارب مصالحها وراء فشل الإجتماع الوزاري للرباعية.

تدهور الأوضاع في السودان بصورة مقلقة للغاية جراء تزايد العمليات العسكرية والكارثة الانسانية واوضاع المدنيين وتشكيل حكومتين يضع الولايات المتحدة أمام مسئولية كبيرة تستدعي مراجعة سياساتها وإنتهاج إستراتيجية فعالة وحزمة تدخلات عاجلة لوقف الحرب وتحقيق السلام في السودان:

أولاً: الإمساك بملف الحرب في السودان بصورة مباشرة وجادة والإعتماد على خبراء يدركون طبيعة الحرب وموقع السودان الجيوسياسي وتأثيره في محيطه الافريقي والعربي وأهميته في الملفات الحيوية للسياسة الخارجية الامريكية.

ثانياً: التوفيق بين مصالح دول الرباعية، وتوسعتها لتشمل بجانب الدول الأربعة كل من المملكة المتحدة وقطر والاتحاد الأفريقي، والإيقاد والاتحاد الاوروبي، والإتفاق على إعلان مبادئ لإنهاء الحرب وخارطة طريق للعملية السياسية.

ثالثاً: تسهيل مفاوضات مباشرة بين المتحاربين لوقف إطلاق النار وحماية المدنية وتوصيل المساعدات الانسانية على أساس إتفاق جدة ووثيقة المنامة.

رابعاً: تسهيل إنعقاد مائدة مستديرة لعملية سياسية ذات مصداقية تضم القوى المدنية صاحبة المصلحة في تحقيق السلام وإستعادة التحول المدني الديمقراطي على غرار مؤتمر القاهرة للقوى السياسية والمدنية السودانية.

خامسا: إصدار قرار من مجلس الأمن الدولي يمنح شرعية لما يتمخض عنه التفاوض من إتفاق ومراقبة تنفيذه، ويمنح كذلك شرعية للإعلان السياسي الذي ينتج عن المائدة المستديرة.

 

 

 

 

 

 

 

المصدر: صحيفة التغيير

شاركها.