أمد/ حقيقة باتت لا تخفى على من ينظر بعمق للمشهد الصهيوني ، ويحلِّل التفاصيل ، “فنتنياهو” أصبح مثل القرد ، يقفز من شجرة إلى أخرى بحثاً عن الثمر “النصر الزائف”..

“نتنياهو” يغيَّر أهداف الحرب على غزة مجدداً على النحو التالي :

🟥 الحسم

🟥 الإخضاع (دفع حماس للإستسلام)

🟥 إحتلال غزة

🟥 إستعادة المختطفين

أهداف سياسية حالمة ، ولمن اعتداد قفزات نتنياهو السياسية ، يجد أن الأكثر غرابة في قفزته هذه المرة ، هو أنها أخذت أبعاداً خطيرة وكبيرة..

فمن المنظور العسكري ستحتاج إلى أعداد كبيرة من الجنود النظاميين والإحتياط ، ومن منظور زمني تحتاج لفترات طويلة من القتال على أرض غزة ، في حين تواجه حكومته حالة صراع مع الأحزاب الحريدية التي انسحب منها ثلاثة أحزاب حتى اللحظة على خلفية قرار التجنيد ، ما يعني ظهور مشكلة كبرى تنخر في جسد جيش الكيان المتآكل وخائر القوى نتاج طول فترة القتال ، والخسائر الفادحة في صفوفه ، والدمار الكبير في آلياته ، وتزايد عدد حالات الإنتحار بين الجنود الذين خدموا في حرب غزة ، أو بين من هم لا زالوا يحاربون هناك ، إلى حالات التمرد ورفض الخدمة في غزة من ضباط وجنود باتوا يرون أنها حرب عبثية ودون أهداف واضحة ، وحرب مفتوحة ودون نهاية..

🟥 صراع قوى داخل الكيان :

نتاج القفزة الدراماتيكية التي قام بها “نتنياهو” ، والتي تعد خطوة خطيرة ، أنها أشعلت فتيل التوتر ، ودفعت إلى صراع قوى بين المستويين السياسي والعسكري ، الأمر الذي جعل رئيس أركان جيش الكيان “ايال زامير” أن يقوم بإلغاء زيارة هامة له إلى أمريكا على خلفية هذه القرارات والتي رفضها ، ورفض معها قرارات تعبئة في صفوف الإحتياط ، وعلى اثر ذلك قام “نتنياهو” بتوجيه رسائل علنية تحمل نبرة التهديد لرئيس الأركان بأن عليه تقديم الإستقالة إذا أصر على رفض قرارات المستوى السياسي في الحكومة..

وفي إطار هذا الصراع ، عمد “نتنياهو” على إقالة العديد من خصومه ، أو دفعهم إلى الإستقالة ، ومؤخراً أقال كلاًّ من المستشارة القضائية ، وإدليشتاين رئيس لجنة الخارجية والأمن ، الذي رفض قانون التجنيد الخاص باليهود الحريديم ، وبذلك بات يضمن إستمرارية وبقاء حكومته حتى الإنتخابات المقبلة بعد عام..

إلى جانب ذلك خرجت شخصيات أمنية كبرى نافذة في صناعة القرار داخل دولة الكيان بلغ قوامها 600 مسؤول أمني وعسكري ، وتدعم قرار وقف الحرب على غزة واسترداد الأسرى عبر صفقة كبرى وشاملة وعلى دفعة واحدة..

هذا إلى جانب الضغط الشعبي المتصاعد والمترافق مع ضغط عائلات الأسرى المطالبين باسترداد أبنائهم الأحياء والقتلى على وجه السرعة ، خاصة بعد المشاهد التي عرضتها المقاومة لجنود أسرى يظهر خلالها مدى الضعف والهزال على أجسادهم نتاج سوء التغذية ، ما أثار موجة غضب كبرى أثرت على جميع مواقع الإعلام والنخب السياسية هناك ، ولم يستطع أحد تجاوزها أو القفز عنها أو المرور عليها مرور الكرام..

🟥 عبثية المشهد السياسي :

وفي عبثية المشهد السياسي ، الذي يمكن قراءته وتحليله ، ولكن يصعب في الحقيقة التنبؤ بمآلاته ، أن نتنياهو يقرر تارة أنه سيعقد جلسة أمنية لمناقشة استمرار القتال وامتداده إلى المناطق التي يخشى فيها احتجاز مختطفين ، وتارة يطلق أبواق مكتبه لتشتيت الإنتباه عن حقيقة ما يريد ، وتارة يطلق العنان لتصريحات مفادها أن هناك ضوء أخضر من الرئيس الأمريكي “ترمب” لعملية عسكرية قوية ما دامت المباحثات وصلت لطريق مسدود ، في خطوة تعزز الضغط العسكري بوضوح..

في الحقيقة تعارض المؤسسة الأمنية أي تحركات في أماكن احتجاز الأسرى خوفاً من إيذائهم..

🟥 الأثر السياسي الداخلي ، وتحوُّلات الموقف الدولي :

وعن تراجيديا المشهد السياسي داخل الكيان ، وتحوُّلاته المفاجئة والمتسارعة ، وقوى الجذب والتأثير ، والآثار المترتبة على ذلك ، يتحدث مصدر أمني إسرائيلي خرج عن صمته ليقول الحقيقة حول ما دار خلف كواليس المفاوضات : “إسرائيل تدير ظهرها لكل ما بذل من جهود ، من أجل إرضاء وزراء في الإئتلاف الحاكم..

كان التوصل إلى اتفاق جزئي مع حماس على وشك الحدوث.. حماس لم تسبب صعوبات ، ولكن كان هناك ثغرات قابلة للتفاوض”..

في الحقيقة ، يقترب “نتنياهو” أكثر فأكثر من أن تترافق صورة الإجرام ، وصورة الفشل ، مع صورة أخرى من بدء المحاصرة السياسية والدبلوماسية ، والعزلة الإقليمية والدولية ، حيث باتت تتعالى الأصوات الأوروبية بصورةٍ نوعية جديدة للمطالبة بالضغوط الفعلية عليه ، والمطالبة بإقامة دولة فلسطينية ، بل سارعت العديد من الدول بالإعتراف بها ، وهددت أخرى باللحاق بالركب إذا أصرت إسرائيل على ارتكاب الإبادة الجماعية ، واستمرار التجويع المميت في غزة ، والمطالبة بضرورة وقف الحرب هناك..

كيف لا وقد تبدلت الصورة الزائفة التي روجها الإعلام الصهيوني عبر ميكنة الإعلام الأمريكية لسنوات ، واهترأت أمام مشاهد الإبادة والدمار ، والتجويع ، والقهر ، والموت في مصائد وكمائن المساعدات ، أو المشاهد القاسية عن موت الأطفال وكبار السن نتاج سياسة التجويع المستمرة..

🔚🟩 الخاتمــة :

مع إعلان “نتنياهو” عبر أبواق مكتبه ، عن انتهاء المباحثات بشأن غزة في قطر ، رغم وجود أصوات أخرى تنفي فشل المفاوضات ، إلا أن “نتنياهو” وفي محاولة منه للاستمرار في نهج الهروب إلى الأمام ، يسارع كما عادته “لإلقاء الكرة في الملعب الفلسطيني ، حيث قال إن حماس تضع شروطا لصفقة التبادل لا يمكن لإسرائيل قبولها ، وإن من يخلف يحيى السنوار ، الذي كان زعيماً لحركة حماس ، سيتخذ موقفاً أكثر صرامة من سلفه”..

إذاً ، ومن خلال تتبع قفزات “نتنياهو” للأمام ، والتي اعتدنا عليها ، نصل إلى أن إسرائيل كانت بالفعل على بعد خطوة واحدة من إتمام صفقة أسرى جزئية ، ولكن القرد قفز كعادته إلى شجرة أخرى ، ولكن هذه المرة قفز بدافع وقرار من “ستيف ويتكوف” الوسيط غير النزيه..

فهل هذه القفزة مجرد تكتيك للضغط على حماس ، وخطوة محسوبة تتعلق بآليات التفاوض؟!

وهل هي قفزة تأتي على خلفية حماية الإئتلاف الصهيوني الحاكم من التفكك ، أم لخدمة غايات أخرى مرتبطة بمصالح صهيوأمريكية استراتيجية في المنطقة..

أم هي خطوة كانت معدَّة مسبقاً ، لإنجاز طموحات وأحلام كبرى تتعلق بوهم الإستيطان ، والتوسُّع لخدمة المشروع الصهيوني ( مملكة داوود | إسرائيل الكبرى )..؟!

ثم هل هناك قفزات أخرى مفاجئة تعبث في المشهد السياسي الداخلي والإقليمي والدولي ، وتدفع إلى مشهد أكثر تعقيداً..؟!

شاركها.