د. إشراقة مصطفى حامد
يفعل (المشلوب) فعلته وينزوي متفرجًا على حلبة صراعٍ حوله، المقسوم على اثنين! تصك أذني صوت (مغنيات) وتتمايل أجسادٌ منهكة، وأصوات تعلو بهستيريا: (مرتك مالي مالها، دي نتيجة إهمالها).
(المشلوب) فاعلٌ مرفوعٌ على أسنة التعدد، التعدد المُشرَع بشروطٍ يبدو معها مستحيلًا أن تكون عادلاً، لذا الأصل في الإسلام واحدة. يبررون بالدين وشرعية التعدد، وهو يعلم أن الشروط لا تنطبق عليه، ولكنه يبحث عن أخرى لإرضاء غروره (برجولةٍ متوهمة).
الزواج الثاني لا يبدأ فجأة، ولا يهبط من السماء، بل له ما قبله، من رسائل وغزل ثم اتفاق على زواج، تكون الزوجة الملامة آخر من تعلم، مطحونة بين تربية العيال ومسؤوليات البيت، ومزملة بثقةٍ مفرطة في (المشلوب)، المفعول به.
الزوجة الثانية ليست مفعولًا به، بل فاعلٌ، فاعلٌ مع سبق الإصرار والترصد، لتُسكِت المجتمع ورماحه التي تلوح أمامها بفهم (العنوسة) و(قطار نعومة)، لا يهم ما يلي من عذابات وصراعات، بل اللحظة التي ترى فيها أنه حقها أن تتزوج، وبأي طريقةٍ كانت!
السؤال هو حول الخيار: أن تتزوجي رجلًا متزوجًا، له بيته وحياته ورفقة عمرٍ من السند والتماسك.
ولنفترض أن الزوجة الأولى ما عادت بذات الهمة (لإرضاء واجبات المفعول به)، فمن حقها أن تعرف، ومن حقها أن تطلب الطلاق، وهو حقٌّ مشروع، وإن أرادت أن تبقى في جحيم الحزن، فهو أيضًا خيارها.
يحزنني أن تتصارع النساء حول رجل، من حق الزوجة الأولى أن تدافع عن حياتها وبيتها، ولكن ليس بتوجيه سهامها نحو الثانية، بل على زوجها، الفاعل الأول في مسيرة الألم والخذلان والانكسار، الثانية التي تردد (أغنية) مشروخة تعبّر عن بؤس الواقع والحب المهزوم: (مرتك مالي مالها)، (راجل المرة حلو حلا) وغيرها؛ مما أفرزه المجتمع من ظواهر وحالات (حب) عابرة، فليس هناك مبرر بسبب الأطفال، لأنهم آخر اهتماماته حين قرر أن يكون فاعلًا، فيهم وفي أمهم ألمٌ وغضبٌ كظيم.
عابرة، لأن لحظات السعادة المبنية على روح وجسد الأولى لن تدوم، خاصة إن كانت رفقة طريق من المحبة والتقدير والاحترام.
على الفاعل أن يكون جسورًا، ويصارح زوجته أنه يريد أن يتزوج، ويترك لها حرية الاختيار، لا أن يتزوج سرًّا، تاركًا أسرته الأولى لليالي من أسئلة الخوف والضياع.
على الثانية أن تدرك أن مسارات الوعي بكونها إنسانة، امرأة لها الحق في الحب والحياة التي يزهر فيها الاتساق، والاتساق يعني التفكير بعمق قبل أن تتركي لقلبكِ عنان خيول الخيال، وأنتِ في ركضكِ نحو تحقيق حلمك، تهدمين معه بيتًا، ربما أُسِّس بالدموع والملح والصبر.
لماذا تترك النساء الرجل (الفاعل) مستمتعًا بالمعركة حوله، وكأن لا رجل غيره في الكون؟
لماذا يتصارعن حوله، ويتركن السبب الحقيقي خلفهن؟
صراع يُنشر على الميديا، وبعضنا يستخدم طريقة (المديدة حرقتني)، بدلًا من افتراع حوارات جادة حول معنى التضامن بين النساء؟ حول الكثير من القضايا، برؤى تتسع معها مساحاتنا المشتركة لأجل أنسنة واقعنا.
اللجوء للميديا ونشر الخاص، الخاص له (سحارته) المقدسة في كل بيت، فلماذا نشره بطريقةٍ لن تُسكِت أي غضب؟ غضبٌ يجب أن يُوجَّه للفاعل الحقيقي.
فهل تكفي (كُر ووب علي) لإطفاء نار الغضب الذي اشتعل في الميديا؟ والنتيجة هشيم وخراب روحي!
حول حروبنا الخاصة، الحروب التي تبدأ من هذه الصراعات، وتمتد حتى وجودنا في العمل العام.
حربنا الجارية الآن لم تبدأ من فوق، بل من الجذور، جذور صراعات تبدأ من الأسرة.
التضامن الحقيقي بين النساء يشترط وعينا بنا، بذواتنا، ومواقفنا.
فالجنس وحده ليس كافيًا، بل رؤيتنا وموقفنا من كل ما يحدث في الحياة، يحدد موقعنا في مسيرة العمر
موقف مبدئي: أنا ضد التعدد تحت أي مسمى كان!
يتبع..
المصدر: صحيفة التغيير