مهدي داود الخليفة

يعقد مجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الأفريقي جلسة طارئة هذا الأسبوع، لمناقشة آخر تطورات المشهد السوداني، وعلى رأسها إعلان “حكومة مدنية” من قبل قائد الجيش عبد الفتاح البرهان في مدينة بورتسودان، ورد فعل الاتحاد على “الحكومة الموازية” التي أعلنها الدعم السريع من نيالا.

هذا الاجتماع يأتي في لحظة شديدة التعقيد، تطرح فيها أوساط إقليمية تساؤلًا جوهريًا: هل يمكن رفع تجميد عضوية السودان في الاتحاد الأفريقي، الذي فُرض عقب انقلاب أكتوبر 2021؟ سؤال لا يتصل بالإجراءات البيروقراطية للاتحاد بقدر ما يتصل بمستقبل الشرعية القارية في ظل مشهد سوداني تتنازعه حكومتان، وتمزقه حرب دموية مستمرة للعام الثالث، وتفكك سياسي غير مسبوق.

خلفية التجميد ومرجعية المادة 30

في أعقاب انقلاب البرهان على الحكومة الانتقالية المدنية في 25 أكتوبر 2021، قرر الاتحاد الأفريقي تجميد عضوية السودان استنادًا إلى المادة (30) من الميثاق التأسيسي للاتحاد، والتي تنص على: “تعليق مشاركة أي حكومة تصل إلى السلطة بوسائل غير دستورية في أنشطة الاتحاد.” هذا القرار كان في حينه تأكيدًا على التزام الاتحاد بمعايير الحكم الديمقراطي ورفض عسكرة السياسة في القارة، خاصة بعد موجة انقلابات ضربت مالي، وغينيا، وبوركينا فاسو.

هل يمتلك الاتحاد سلطة رفع التجميد؟ نعم، يمتلك مجلس السلم والأمن الأفريقي، المكوَّن من 15 دولة عضو، صلاحية رفع التجميد أو تعديله، بناءً على تقييمه للوضع السياسي في الدولة المعنية. لكن رفع التجميد لا يتم تلقائيًا، بل يرتبط عادةً بـ

: * عودة السلطة المدنية أو التوافق المدنيالعسكري الحقيقي.

* وقف الصراعات المسلحة أو الانخراط الجاد في عملية سلام.

* وجود خارطة طريق انتقالية واضحة تقود إلى انتخابات.

التطور الأخير في إعلان حكومة مدنية من جانب واحد من قبل البرهان، وتعيين رئيس وزراء مدني، فتح الباب لتكهنات حول إمكانية استخدام هذه الخطوة كورقة لإقناع الاتحاد الأفريقي برفع التجميد. الممثل الخاص للاتحاد في السودان، محمد بلعليش، أجرى لقاءً مع البرهان في بورتسودان، وأشاد بـ”تشكيل الحكومة”، ما عُدّ مؤشرًا دبلوماسيًا على استعداد محتمل لإعادة النظر في موقف الاتحاد.

لكن هذه الخطوة تطرح إشكاليات عميقة: هل تم تشكيل الحكومة بتوافق مع القوى المدنية والثورية الحقيقية؟ هل تمثّل هذه الحكومة خروجًا من السيطرة العسكرية أم إعادة إنتاج لها؟ أين تقف هذه الحكومة من الحرب الكارثية الدائرة حاليًا في الخرطوم ودارفور وكردفان في المقابل، جاء إعلان الدعم السريع عن حكومة “تأسيس” في نيالا ليدفع الاتحاد الأفريقي إلى إدانة صريحة لهذا الإعلان، والتحذير من التعامل مع هذه الحكومة الموازيّة.

هذا الموقف، وإن بدا داعمًا لحكومة بورتسودان، لكنه لا يمنحها تلقائيًا الشرعية القارية، إذ أن الشرعية لا تُمنح برفض البدائل، بل باستيفاء المعايير الدستورية والديمقراطية.

تشير تقارير إلى أن مصر ستطرح رسميًا في الجلسة القادمة مراجعة موقف التجميد، في سياق دعمها للجيش السوداني كعامل استقرار في شرق أفريقيا، ولضمان نفوذها في ملف البحر الأحمر.

السيناريوهات المطروحة تشمل:

رفع جزئي مشروط: يسمح بعودة السودان لمؤسسات الاتحاد بشرط تنفيذ التزامات محددة، كوقف النار أو إطلاق عملية حوار وطني.

رفع رمزي/سياسي: إعادة السودان بشكل جزئي بهدف كسر العزلة، دون الاعتراف الكامل بشرعية الحكومة.

تمديد التجميد: إذا اعتبر الاتحاد أن الوضع لا يختلف جوهريًا عن لحظة الانقلاب، وأن الحرب المستمرة تشكل تهديدًا لأمن الإقليم. أي قرار يُتخذ اليوم سيرسم ملامح علاقة الاتحاد الأفريقي مع السودان في المستقبل القريب، وسيكون بمثابة اختبار لمصداقية التزام الاتحاد بمبادئه التأسيسية إذا تم رفع التجميد دون ضمانات حقيقية لاستعادة المسار المدني ووقف الحرب، فإن الاتحاد الأفريقي يخاطر بشرعنة الانقلابات من جديد، وإفراغ آليات المحاسبة القارية من مضمونها.

السودان اليوم يحتاج الي عملية انتقالية شاملة يقودها السودانيون أنفسهم، تحت مظلة مدنية، وبدعم إقليمي لا يخضع لميزان المصالح بل للقيم الديمقراطي.

مداميك

المصدر: صحيفة الراكوبة

شاركها.