الشفيع خضر سعيد


د. الشفيع خضر سعيد 

فجأة أُلغي اجتماع الرباعية حول السودان في واشنطن دون تقديم أي أسباب، وامتلاء الإعلام السوداني بالعديد من القصص والتحليلات، بعضها ربما يقترب من الواقع، لكنه يكتفي بما هو ظاهر على السطح، ولا يمس الجوهر. وانبرى عدد من مراكز الدراسات وبنوك التفكير العالمية في تقديم تقارير وتحليلات ذات صلة. اطلعت على تقارير من مركز الثقة والسلام بجامعة كوفنتري، ومعهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، والمجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، ووجدت فيها ما يساعد على فهم قصة الرباعية ودور الدول الست المعنية، الولايات المتحدة ومصر والسعودية والإمارات وقطر والمملكة المتحدة، فيما يخص حرب السودان. هذه التقارير متوفرة إسفيريا، ولكن رأيت من المفيد نشر مختصرات لبعضها، مصحوبة بمناقشات من جانبنا، وذلك لعناية القوى المدنية السودانية علها تساعدها في رسم خططها وتصوراتها حول كيفية وقف الحرب وكيفية التعامل مع الفاعلين الخارجيين. سأبدأ اليوم باستعراض تقرير أعده المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية حول الدور العربي في وقف حرب السودان، وسأتناول بقية التقارير في المقالات القادمة. وخلال استعراضه سأتداخل من جانبي ببعض النقاط التي لا علاقة لها بكاتب التقرير، وسأشير إليها في حينها.

جاء في التقرير، استنادًا إلى الأدلة التاريخية على إخفاقات كل أنظمة الحكم العسكري السابقة في السودان، ينبغي حث الفاعلين الإقليميين، وخاصة دول الخليج، على دعم الدور المحوري للقوى المدنية السودانية في صنع السلام وتعافي السودان وضمان مستقبله. ومن جانبنا نقول، هذه القوى هي التي تصنع التغيير حيث أطاحت بثلاثة أنظمة عسكرية قوية ومتمكنة، ويمكنها تكرار ذلك. تسبب الفاعلون المسلحون في كارثة البلاد ولهم تاريخ طويل من سوء الإدارة السياسية والاقتصادية وإساءة معاملة المدنيين، بينما كسب الفاعلون المدنيون، مثل غرف الطوارئ ولجان الأحياء ولجان «التكايا» وغيرها من المنظمات المدنية القاعدية، ثقة الشعب السوداني من خلال نكران الذات والاستعداد للتضحية بأرواحهم في سبيل تقديم المساعدات الإنسانية في المناطق الملتهبة عبر البلاد. هذه الاستجابة الإنسانية الفعالة والمؤثرة سدت الفجوة التي خلّفها كل من قوات الدعم السريع والجيش السوداني، إذ لم يُظهر أي منهما القدرة أو الاهتمام بالإدارة أو تقديم الخدمات في المناطق الخاضعة لسيطرتهما، رغم ادعاء كليهما شرعية الحكم. والأسوأ أن هؤلاء الفاعلين المدنيين يتعرضون بشكل منهجي للاعتقال والتعذيب والقتل من طرفي النزاع.

وفي فقرة أخرى، يؤكد التقرير أهمية دول الخليج في أي عملية سلام بالسودان، مشيرا إلى أن السودانيين منذ بداية الحرب ظلوا يحثون السعودية ودول الخليج على دفع الأطراف المتحاربة نحو طاولة التفاوض لوقف القتال، على ألا يُختصر الأمر في عقد صفقة لاقتسام السلطة بين هذه الأطراف. وينبه التقرير لما تواجهه دول الخليج من تحديات في رسم سياساتها تجاه السودان، ويقترح سلسلة اجتماعات مُرتّبة بعناية بينها بهدف تطوير سياسة خليجية جماعية متماسكة، يمكن دمجها لاحقًا في جهد دولي أوسع، ربما بتسيير من الاتحاد الأوروبي؛ لأنه مؤهل لذلك نظرًا لحفاظه الدقيق على مسافة متساوية من طرفي النزاع، وسمعته كداعم للحرية والسلام والعدالة، وهي ذات القيم التي تتبناها القوى المدنية في السودان، مع ضرورة ضمان التشاور المستمر مع هذه القوى. وفي ذات السياق، فإن عملية تطوير سياسة خليجية جماعية متماسكة يجب أن تركز على إعداد خيارات لاعتمادها من قبل صانعي السياسات رفيعي المستوى بهدف تقليل تضارب المصالح بين بلدان الخليج. وهذه الخيارات من الممكن أن تُغذي تطوير نهج خليجي مشترك يُدرج في مؤتمر عربي أفريقي للسلام في السودان تقترحه دول الخليج. ويرى التقرير ضرورة موازنة النهج الأكثر تأثيرًا وحزمًا، لكنه غير شعبي ومُفرّق وغير موحد، الذي تتبناه هذه الدول في السودان، ولتحقيق ذلك، يقترح الاتحاد الأوروبي كشريك مسؤول على المدى الطويل، مع ضرورة أن يدرك صانعو السياسات الأوروبيين محدودية تأثيرهم في تشكيل السياق السوداني؛ نظرًا للنفوذ الهائل لدول الخليج في هذا السياق.

وكمداخلة من جانبي، وغير واردة في التقرير، أقول لماذا لا ينعقد حوار بين ممثلين لكل أطراف القوى المدنية مجتمعة، وممثلين لمصر والسعودية والإمارات وقطر، ربما في البداية على مستوى مراكز التفكير ومراكز الدراسات القريبة من موقع اتخاذ القرار السياسي في هذه الدول. هذا الحوار يمكن أن يلتئم للإجابة على سؤال واحد: ماذا نريد من بعضنا البعض حتى نضمن مصالحنا جميعا، ونضمن استدامة السلام والاستقرار في المنطقة؟ ويمكن عقد الحوار تحت عناوين كبيرة ورئيسية على أن تتفرع لاحقا إلى عشرات التفاصيل والعناوين الفرعية. ومن هذه العناوين الرئيسية:

* كيف يمكن محو الصورة النمطية عند هذه الدول حول عجز القوى المدنية السودانية وعدم كفاءتها في الحكم، وفي نفس الوقت نقاش الصورة المشوهة والسلبية لهذه الدول في أذهان السودانيين كداعمة للأنظمة العسكرية القمعية في السودان؟

* كيف يمكن بناء ثقة هذه الدول حول قدرة القوى المدنية السودانية على حماية الأمن القومي لهذه الدول، وكذلك أمنها الغذائي، مع الوضوح حول تمسك القوى المدنية بمصالح السودان وسيادته الوطنية؟ * نقاش مشروع استراتيجي لمشروعات تكامل وشراكات اقتصادية مع مصر ودول مجلس التعاون الخليجي، وكذلك مشاريع ثنائية.

* نقاش صريح حول عدم إمكانية انتصار أي طرف في السودان، وعدم جدوى استمرار العمليات العسكرية التي لن تحقق سوى مزيد من الموت والدمار واستنزاف موارد الدول الداعمة لكل طرف. وبدلاً من ذلك، مساهمة هذه الدول في الضغط على الفاعلين المسلحين لإنهاء القتال بشكل مستدام، ودعم وتقوية القوى المدنية لتحتل صدارة عمليات تعافي البلاد واتخاذ القرارات المستقبلية. وأعتقد أن تحوّل هذه الدول نحو دعم وحماية القوى المدنية السودانية وإقامة حكومة انتقالية مدنية موثوقة، سيعزز الاستقرار المتوسط والطويل الأمد في البلاد، وهو هدف يسعى إليه الجميع. وسنواصل المناقشة.

 

المصدر: صحيفة التغيير

شاركها.