صباح محمد الحسن
طيف أول:
لرضاب الوطن الذي جفّ قبيل الرواء، وللوجوه التي قضم ملامحها العناء،
لكل حيلة عبثت بالأمل لتيقظ الألم!!
وقد تكون المسافة الفاصلة بينك وبينهم، بقياس القبول للخيار المطروح، هي فقط الاستفهام الذي يقف كمحاولة للبحث عن نقطة التقاء، مساحة ليس فيها علامة بارزة للتباعد في وجهات النظر، طالما أن الهدف هو الوصول إلى حل يخرجنا من لجّة هذا الظلام.
المسافة إمّا بسبب الرؤية المختلفة للمفاهيم، أو بسبب المفهوم الخاطئ للرؤية.
وفي الحالتين، تكون الإجابة واجبة لسؤال عالق بذهنية الكثيرين.
لماذا تعوّلون على الحل الخارجي للأزمة السودانية؟!
والإجابة هنا لا بد أن تأتي طائعة لسؤال قيمته من أهمية القضية، فإن لم تكن الإجابة شافية كافية، فعسى أن تقف لتشهد ، إن استعانت بها ذاكرة التاريخ.
فهي في الحاضر تبني جسورًا بينك وبين الذين يخالفونك الرأي وتحصّن الود، سيما أن اختلاف الرأي أصبح للأسف يفسد للود ألف قضية.
وبالعودة إلى الإجابة، حتى لا تظل الأسئلة حائرة يتيمة، فإن الأزمة السودانية أصبحت الآن في حاجة ماسّة للحلول الدولية، وذلك يعود لعدة أسباب:
أولًا:
أطراف الحرب في السودان، الذين تقع عليهم مسؤولية حماية الوطن وسلامة المواطن، هم من أشعلوا الحرب، وحتى بعد مرور ثلاث سنوات يرون أنها يجب أن تستمر، ويرفضون السلام والجلوس إلى تفاوض، في الوقت الذي يموت فيه الشعب السوداني ويجوع ويعرى!!
فدعوة المجتمع الدولي إلى منابر الحل جميعها عرقلها الداخل السوداني، ما يعني أن قيادات الحكم لا يريدون نهايتها عكس ارادة الشعب .
ثانيًا:الأطراف السياسية من أحزاب وكيانات ظلّت تعاني تشرذمًا واختلافًا، ولا تتفق على رؤية واحدة، ومع ذلك عمل بعضها على إضعاف الكلمة السياسية عندما انحاز لطرفي الحرب.
ثالثًا: عندما تقدّمت القوى السياسية منذ بداية الحرب لرفع شعار “لا للحرب”، وقدّمت الدعوة لطرفي الصراع للحوار، وحاولت أن تقود حوارًا سودانيًا سودانيًا، تم تخوينها وملاحقتها، ودمغت بالاتهامات التي وصلت عقوبتها إلى الإعدام، وسُمّيت “الذراع السياسي للمليشيا”، وتم تسخير الآلة الإعلامية للهجوم عليها وتشويه صورتها سياسيًا واجتماعيًا، وانتظرتها عقوبات بالإعدام حتى لا تستطيع ممارسة نشاطها السياسي داخليًا من أجل وقف الحرب.
ومع ذلك، ظلّت تعمل بجهد دون توقف خارج السودان.
رابعًا: الحرب الآن أصبحت تتحكم فيها دول ومحاور إقليمية تتقاطع مصالحها مع بعضها البعض، ومع ذلك تمسك بقرار الحكومة، فهي التي ترفض الحل وتقبله في ظل قيادة عسكرية “تسمع سمع” بتأجيله وتعطيله، بالرغم من عدم حضورها ومشاركتها في المنابر الدولية، مما يعني أن هناك من ينوب عنها في الكلمة والقرار.
فالحديث عن حوار سودانيسوداني خالص يكون أمرًا مجديًا إن كانت أطراف الصراع لا ترتهن لدول خارجية، فالسّيادة الوطنية يحافظ عليها قادة الحكم أولًا قبل غيرهم!!
خامسًا: تشارك في ميدان الحرب عدة دول بالسلاح والدعم المادي واللوجستي لطرفي الحرب، فما الذي يجعل دولًا خارجية تتبنى قرار الحرب واستمرارها، ولا يجعل دولًا أخرى تتبنى السلام وتحقيقه؟!
سادسًا: يموت الآلاف من الشعب السوداني بسبب المرض والجوع في معسكرات النزوح، والدولة تعلم ذلك، فلماذا لا تُفتح منابر للحل الخارجي لإنقاذ حياتهم بوقف إطلاق النار ووصول المساعدات؟
سابعًا: الذين يسمّون القوى السياسية والإعلامية الداعمة للسلام عبر منابر دولية بأنهم عملاء وخونة، لماذا لا يسمّون ايضا قياداتهم العسكرية عندما طلبت التدخل من روسيا وإيران ، إلى الحد الذي جعل الحكومة تعرض ساحل البحر الأحمر للبيع ، حين قال وزير الخارجية السابق: “القاعدة البحرية لمن يدفع أكثر”؟!
فالرجل باع البلاد في مزاد علني على الهواء ولم يجد من يشتري، فلماذا لم يُدرج اسمه في قائمة العملاء؟!
فأيّهما أكثر عمالة: من يدعم الحل الخارجي للأزمة، أم من يدعو الدول للتدخل المباشر في الحرب ويقايض ذلك بترابها وسيادتها؟!
لهذا وغيره من أسباب لا تسعها المساحة، لا بد من وقف هذا العبث بفتح منابر دولية لمناقشة الأزمة السودانية، بمشاركة قوى سياسية وطنية ودول إقليمية ومحاور هي جزء من الأزمة.
فالجهود الوطنية التي تقوم بها القوى السياسية المنحازة للسلام لن تكفي وحدها، ما لم تدعمها مواقف دولية قوية تضع حدًا لهذه الحرب التي قضت على الأخضر واليابس.
طيف أخير:
كان على الدعم السريع أن يرفع الحصار عن مدينة الفاشر التي يموت فيها الناس جوعًا، بدلًا من أن يحشد الناس للاحتفال بها في نيالا
اليس هذا هو أقصر الطرق لقبول ورضا المواطن!!
المصدر: صحيفة التغيير