أعلن ما يعرف بـ”المؤتمر الوطني العفري الإريتري”، أحد التنظيمات المعارضة لنظام الرئيس أسياس أفورقي، عن استعداده لخوض كفاح مسلح انطلاقاً من الأراضي الإثيوبية.

وقال عضو اللجنة التنفيذية والمتحدث باسم التنظيم علي محمد عمر، في تصريحات لإذاعة “دويتشه فيله” الألمانية، إن تنظيمه افتتح مكتباً في مدينة سمرا بالإقليم العفري الإثيوبي، مؤكداً أن ذلك يمثل تحولاً من النشاط القائم على الشتات إلى العمل التعبوي داخل المنطقة، ومشيراً إلى نية الجماعة توسيع نشاطها إلى العاصمة أديس أبابا.

وأضاف، “لقد منحتنا الحكومة الإثيوبية الفرصة للعمل السياسي والتعبير عن آرائنا بحرية، وسنخوض غمار العمل المسلح لإسقاط النظام”، واصفاً الخطوة بـ”نقلة استراتيجية في مسار المعارضة الإريترية ضد النظام الحاكم”. والعفر مجموعة عرقية تنشر في ثلاث دول هي إريتريا وإثيوبيا وجيبوتي.

تفكيك النظام الإريتري

يأتي ذلك بعد نحو أسبوعين من مؤتمر عام عقدته المنظمة الديمقراطية لعفر البحر الأحمر، أكدت خلاله التزامها خوض معركة سياسية وعسكرية حتى تفكيك النظام الإريتري وتحقيق حق تقرير المصير لشعب عفر البحر الأحمر.

وفي وقت سابق أجرى وفد من المؤتمر الوطني لعفر إريتريا، برئاسة أحمد يوسف محمد، لقاء رسمياً مع السيد قيتاجو ردا، مستشار رئيس الوزراء الإثيوبي لشؤون شرق أفريقيا، في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا.

وتناول الاجتماع مجموعة من القضايا الإقليمية، على رأسها تطورات المشهد الجيوسياسي في منطقة القرن الأفريقي وحوض البحر الأحمر.

وبحسب بيان التنظيم على مواقع التواصل الاجتماعي. فإن وفد المؤتمر شدد على ضرورة معالجة الملفات العالقة المتعلقة بمطالب العفر الإريتريين في إطار القانون الدولي، ووفقاً لمبادئ العدالة والتمثيل المتكافئ.

وتعد هذه الخطوة الثانية لأديس أبابا في إعلان دعمها لجماعات إريترية معارضة تتبنى خيار العمل المسلح ضد أسمرة، إذ سبق أن نظمت مؤتمرات شعبية لما يعرف بـ”لواء نحمدو”، وهو تجمع شبابي قومي الطابع ينشط في الشتات، وقد أعلن قادته تبنيهم العمل المسلح ضد أسمرة انطلاقاً من الأراضي الإثيوبية.

وتشهد العلاقات الإريترية الإثيوبية توتراً عالياً منذ نحو عام، إثر إعلان رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، رغبته في امتلاك موانئ سيادية على السواحل الإريترية.

حروب الوكالة 

من جهته رأى المتخصص في شؤون القرن الأفريقي عبدالرحمن أبوهاشم، أن تبني إثيوبيا جماعات إريترية تعلن خططها لإعلان العمل المسلح انطلاقاً من الأراضي الإثيوبية يمثل خرقاً واضحاً للمعاهدات الموقعة بين البلدين ولمبادئ حسن الجوار، وانتهاكاً لميثاق الاتحاد الأفريقي، والأمم المتحدة، والقانون الدولي، والأعراف الدبلوماسية.

وأضاف أن استمرار إثيوبيا في هذا النهج يطرح تساؤلات جدية حول أهلية أديس أبابا لاحتضان مقر الاتحاد الأفريقي، خصوصاً أنها ظلت تخرق ميثاق المنظمة منذ تأسيسها في ستينيات القرن الماضي، مما قد يدفع بعض الأعضاء لإعادة النظر في دولة المقر، ونقله إلى دولة أكثر التزاماً بمبادئ الاتحاد.

ويقرأ أبوهاشم تحول التنظيم العفري إلى العمل المسلح بالقول، إن هذه المجموعة تحديداً ظلت تناضل لأكثر من ثلاثة عقود بوسائل سلمية ودبلوماسية من خلال المؤتمرات والندوات التي هدفت إلى تسليط الضوء على معاناة المجموعة العفرية في إقليم جنوب البحر الأحمر. وقد حققت إنجازات مقدرة، إذ نجحت في إيصال قضيتها إلى منابر الأمم المتحدة. لكن إعلانها الاستعداد للكفاح المسلح ضد النظام في إريتريا قد يكون جاء إما تحت ضغط الدولة المستضيفة (إثيوبيا)، أو نتيجة لقناعة متزايدة بأهمية الدفاع الذاتي، خصوصاً مع بروز مجموعات مسلحة أخرى تسعى إلى المواجهة والسيطرة في الإقليم ذاته.

مع ذلك يرى أبوهاشم أن عسكرة المطالب المشروعة قد يترتب عليها آثار سلبية على حياة المدنيين واستقرار الإقليم. مرجحاً أن الخيار الأمثل هو الاستمرار في استخدام الوسائل المدنية والضغط الإعلامي والسياسي لفضح ممارسات النظام، والعمل على رفع الوعي الشعبي، وصولاً إلى انتفاضة شعبية شاملة مدعومة من قوات الأمن والجيش الإريتري. لأن أي صدام عسكري بين أبناء الشعب الواحد لن يخلف سوى الخسارة للطرفين.

وفي قراءته لتحركات مجموعات إريترية أخرى مثل “لواء نحمدو” في إثيوبيا من أجل إعلان العمل المسلح، يقول إبراهيم “لا أرى ثمة جدوى تذكر من تحركات مجموعات غير ناضجة تعلن الكفاح المسلح بالتحالف مع نظام إثيوبي معروف بأهدافه التوسعية وعدوانيته”.

ويشير إلى أن أية مجموعة تسعى فعلاً للتغيير يجب أن تبلور برنامجاً سياسياً بديلاً، لا أن تزج بنفسها في مواجهات عسكرية مع جنود معظمهم من أبناء الشعب، مؤكداً أن حال الفوضى التي قد تخلف الحرب لن تخدم سوى النظامين في أديس أبابا وأسمرا، إذ فشل كلاهما في تحقيق التنمية والحكم الرشيد، ويعملان على إطالة أمد سلطتهما على حساب حروب الوكالة.

نذر حرب إقليمية 

وحذر مراقبون للوضع المضطرب في منطقة القرن الأفريقي، من أن كل من إثيوبيا وإريتريا يسعيان بشكل متسارع نحو حرب مدمرة في ظل تبني كل طرف مجموعات مسلحة معارضة للطرف الآخر، إضافة إلى تأكيد أديس أبابا مراراً أن مخططها لامتلاك منفذ بحري على البحر الأحمر أمر لا يقبل المساومة، إذ كرر رئيس الوزراء الإثيوبي في يوليو (تموز) الماضي أمام نواب برلمان بلاده، أن حكومته لن تتوانى عن تحقيق حلم المنفذ البحري تحت أي ظرف، مشيراً إلى أنه يفضل إتمام ذلك عبر الوسائل السلمية، لكنه لم يستبعد إمكانية خوض الحرب، لما يسميه استعادة موانئ تاريخية لإثيوبيا، في إشارة إلى ميناءي “عصب” و”مصوع” الإريتريين على البحر الأحمر.

وفي حين تحذر مصادر سياسية ودبلوماسية من إمكانية جذب الحرب في حال قيامها قوى إقليمية ودولية، يستبعد أبوهاشم احتمالات التدخل الإقليمي أو الدولي المباشر، لكنه يرجح أن تقدم بعض الجهات الدولية والإقليمية دعماً مادياً أو لوجيستياً، وربما أسلحة نوعية لطرف دون الآخر.

ويضيف أن ثمة مجموعات إثيوبية معارضة مدعومة من النظام الإريتري، إلى جانب وجود مجموعات إريترية مدعومة من إثيوبيا، مما قد يرجح إمكانية دخول المنطقة في حروب الوكالة من دون أن يستدعي ذلك تدخلاً إقليمياً أو دولياً مباشراً.

وينوه المتخصص في شؤون القرن الأفريقي إلى أنه حال اندلاع الحرب بين أسمرة وأديس أبابا، فإن هدف كل طرف سيتمثل في إسقاط النظام الآخر، في محاولة لفرض الهيمنة الإقليمية على منطقة القرن الأفريقي، إلى جانب أهداف استراتيجية أخرى أبرزها من الجانب الإثيوبي: السيطرة على ميناء “عصب” بالقوة عبر تنصيب سلطة حليفة في أسمرة، ثم تقنين السيطرة من خلال اتفاقات مثل السيادة المشتركة أو السيطرة الإثيوبية الكاملة على الموانئ.

الخطوط الحمراء 

بدوره يرى المتخصص في الشأن الإثيوبي بيهون غيداون، أن كلاً من أسمرة وأديس أبابا قد تجاوزتا الخطوط الحمراء في علاقات دولتين جارتين تربطهما الدبلوماسية واتفاقات ومعاهدات دولية. مشيراً إلى أن الطرفين قد تعهدا في اتفاقيتي “جدة” و”أبوظبي” (2018) وقف الأعمال العدائية بينهما، بما في ذلك الحملات الإعلامية.

ويضيف أن ثمة مؤشرات واضحة إلى دعم أسمرة لميليشيات الفانو الأمهرية، والجبهة الشعبية لتحرير تيغراي، في حين أعلنت أديس أبابا أنها تعمل مع مجموعات مناوئة لأسمرة تسعى إلى تبني الخيار العسكري لإسقاط النظام.

وينوه بيهون إلى حوار الرئيس الإريتري أسياس أفورقي في التلفزيون الرسمي الإريتري، الذي تجاوز فيه القواعد الدبلوماسية في حديثه عن الوضع الإثيوبي، مما دفع رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد للرد على تلك التصريحات أثناء إلقائه الخطاب أمام نواب الشعب.

ويرجح المحلل الإثيوبي وجود قوى إقليمية ودولية تقف خلف النظامين لأسباب جيوسياسية تتعلق بالتوترات القائمة في منطقة البحر الأحمر وحوض النيل.

ويضيف أنه من الواضح وجود تحالف ثلاثي بين كل من إريتريا مصر والصومال، في حين تتحالف أديس أبابا مع قوى إقليمية ودولية أخرى تدعم المطالب الإثيوبية المتعلقة بامتلاك منافذ بحرية على البحر الأحمر.

ويلاحظ بيهون أن تحالف أسمرة مع الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي، وتنظيمها تجمعات شعبية داخل الأراضي الإثيوبية في إقليم تيغراي من دون التنسيق مع الحكومة المركزية في أديس أبابا، وضمن ما يعرف بمشروع “ظمدوا” (أي التحالف)، يمثل خرقاً واضحاً للسيادة الإثيوبية، إذ لا يزال إقليم تيغراي جزءاً منها، وتحركات أسمرة خارج حدودها ينبغي أن تخضع لضوابط العمل الدبلوماسي.

ويشير إلى أن هذا التوجه اعتادت عليه أسمرة في تعاملها مع الدول المجاورة، بما في ذلك علاقاتها مع السودان، إذ لا يتوانى الرئيس الإريتري عن تحديد مناطق محددة في شرق السودان، بوصفها تمثل خطوطاً حمراء، علاوة على دعمه جماعات مسلحة سودانية تنحدر من المنطقة الشرقية ذاتها المحاذية لبلاده.

الرصاصة الأولى 

ويرى المتخصص في الشأن الإثيوبي، أن كل المؤشرات السياسية والتحركات الميدانية في حدود البلدين تشي بإمكان قيام حرب وشيكة، والسؤال العالق يتمثل فيمن سيطلق الرصاصة الأولى، متوقعاً ألا يتورط أي طرف من الجيشين في إطلاق الرصاصة التي قد تفتح حرباً طويلة ومدمرة. مضيفاً “قد تتكلف إحدى الجماعات المعارضة ببدء الحرب، سواء من الطرف الإريتري أو الإثيوبي، لتعفي النظامين من مسؤولية بدء الحرب، لكن اندلاعها في كل الأحوال سيعني تورط الطرفين بشكل مباشر أو غير مباشر في القتال.

ويرجح بيهون أن الطرفين في حال استعداد تام لوجيستياً ونفسياً لخوض حرب طويلة قد تفضي إلى إنهاء فترة حكم أحدهما، ومن ثم فإنهما الآن يعقدان تحالفات استراتيجية مع قوى إقليمية ودولية. مشيراً إلى الرسائل المتبادلة أخيراً بين الرئيس الإريتري أسياس أفورقي والرئيس الأميركي دونالد ترمب بعد عقدين من القطيعة بين أسمرة وواشنطن، كدليل على سعي النظام الإريتري إلى تحسين علاقاته مع الدول الغربية تحسباً لأية تطورات قد تعصف به في ظل التهديد الإثيوبي المتكرر بإمكانية شن حرب لاستعادة ميناء “عصب”.

ويقلل بيهون في الوقت ذاته من تأثير ذلك في العلاقة المتوترة بين أسمرة وواشنطن، إذ من غير المرجح، بحسب رأيه، أن تضحي واشنطن بعلاقاتها التاريخية مع إثيوبيا لمصلحة إريتريا، مبرراً ذلك بأن العلاقات الإثيوبية الأميركية تحكمها شروط تاريخية واستراتيجية وجيوسياسية.

المصدر: صحيفة الراكوبة

شاركها.