أثارت سهرة فنية نظمتها مقاطعة عين الشق بمنطقة سيدي معروف، مؤخرا، موجة من الجدل والغضب في صفوف سكان المنطقة ومتتبعي الشأن المحلي، وذلك بسبب ما اعتبره البعض “تبذيرا للمال العام” في الوقت الذي تعيش فيه المنطقة أوضاعا تنموية صعبة.
وقد أحيت السهرة كل من الفنانة المغربية دنيا بطمة والرابور زكرياء بناجي المعروف بلقبه الفني “البنج”، إلى جانب عدد من الفنانين الآخرين، ضمن نشاط ترفيهي موسمي.
غير أن هذا النشاط الفني، الذي روج له على أنه “عرس فني لفائدة سكان سيدي معروف”، سرعان ما تحول إلى مادة للنقاش والغضب داخل منطقة سيدي معروف، خاصة على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث عبر عدد كبير من المواطنين عن استيائهم من أولوية مثل هذه التظاهرات في ظل الظروف التي تعيشها أحياء المنطقة.
وفي تصريحات متفرقة لجريدة “”، وجهت الساكنة أصابع الاتهام إلى نائب رئيس مقاطعة عين الشق، عبد اللطيف الناصري، الذي ينحدر من المنطقة نفسها، محمّلين إياه مسؤولية تدهور الوضع التنموي، خاصة أنه سبق أن أطلق مجموعة من الوعود الانتخابية بتحسين ظروف العيش وتوفير الخدمات الأساسية، دون أن يتم تنفيذها على أرض الواقع، بحسب تعبيرهم.
وأشارت شهادات متطابقة من سكان سيدي معروف إلى أن عددا من الأسر لا تزال تعيش في ظل غياب شبكات الصرف الصحي، وافتقار الأزقة للإنارة العمومية، إلى جانب تفشي ظاهرة “الاحتلال العشوائي للملك العمومي” من طرف الباعة المتجولين وأصحاب العربات، مما يزيد من تأزيم الوضع في الشوارع ويعرقل حركة المرور.
كما أضافت الساكنة أن بعض الإقامات السكنية، خصوصا تلك التي تم بناؤها في السنوات الماضية، تعاني من انقطاعات متكررة للماء الشروب، دون وجود تدخل فعّال من طرف السلطات المحلية لحل هذه الإشكالات الأساسية.
وتعيش منطقة سيدي معروف، التابعة ترابيا لمقاطعة عين الشق، واقعا اجتماعيا وتنمويا معقدا، حيث تشهد العديد من أحيائها تدهورا كبيرا في البنيات التحتية، وانتشارا واسعا للعشوائيات والباعة المتجولين، إلى جانب مشاكل مزمنة تتعلق بانقطاع الماء والكهرباء، وغياب العدادات الفردية في بعض الأحياء الهامشية.
هذا الوضع دفع بعدد من الساكنة إلى التعبير عن غضبهم من تخصيص ميزانيات للأنشطة الفنية بدل الاستثمار في تحسين ظروف العيش والخدمات الأساسية.
ورغم أن سيدي معروف تُعد من المناطق التي تحظى بثقل انتخابي داخل مقاطعة عين الشق، إذ تعتبر خزانا انتخابيا أساسيا لعدد من المنتخبين، إلا أن الواقع الميداني لا يعكس أي استفادة حقيقية من هذا الامتياز.
ويرى البعض أن “الاستغلال الانتخابي للمنطقة”، لم يواكبه استثمار في البنيات والخدمات، حيث لا تزال تعاني من مظاهر التهميش التي تكرس الفوارق المجالية والاجتماعية بين أحياء الدار البيضاء.
وقد طالب عدد من الفاعلين الجمعويين والمهتمين بالشأن المحلي بضرورة فتح نقاش عمومي حول الأولويات التنموية داخل المقاطعة، مشددين على أن “الفن والثقافة عنصر مهم في حياة المجتمعات، لكن لا يمكن تقديمه على حساب الحاجيات الأساسية للمواطنين”.
وفي نفس السياق، قال سعيد عاتيق، فاعل سياسي بمدينة الدار البيضاء، إنه “في مشهد يثير الكثير من الاستغراب والتساؤلات، أطلقت مقاطعة عين الشق بالدار البيضاء برنامجا لأنشطة فنية موسيقية تحت شعار “أيام النشاط بالكمان والطَعريجة”، في وقت تعيش فيه ساكنة المقاطعة ظروفا اجتماعية وخدماتية توصف بالمتدهورة”.
وأضاف عاتيق، في تصريح لجريدة “”، أن “الساكنة تنتظر حلولا ملموسة لقضايا ملحّة، لا تزال بعض أحياء عين الشق ترزح تحت وطأة مظاهر الإقصاء، حيث العربات المجرورة بالحمير والدواب تجوب الشوارع، والنفايات تتراكم دون معالجة، والكلاب الضالة تنتشر بشكل مقلق، ناهيك عن الانقطاعات المتكررة وغير المبررة للماء الشروب، التي باتت تشكل معاناة يومية للأسر”.
وتابع المتحدث عينه أن “هذا التناقض الصارخ بين أولويات المواطنين وبين اختيارات المجلس المحلي يطرح أكثر من علامة استفهام حول مدى التفاعل الجدي للمسؤولين مع التعليمات العليا الداعية إلى تحسين ظروف عيش المواطنين، والنهوض بالمناطق المهمشة”.
وأكد الفاعل السياسي أن “تنظيم أنشطة فنية وثقافية في ظل هذه الظروف ليس خطأ في حد ذاته، لكن الخطأ يكمن في ترتيب الأولويات وإغفال الحاجيات الأساسية للساكنة، معتبرين أن “الكمان والطَعريجة” لن تحجب ضجيج الاحتجاجات الصامتة في الأحياء المنسية”.
المصدر: العمق المغربي