أمد/ في زمن الخذلان وسقوط القيم، حين يُصنّف الفلسطيني تحت عدسة كاميرا، ويُؤخذ إلى الأسر لا لذنب ارتكبه، بل لأنه ينتمي إل
ى هذا الشعب الأعزل، نكتب عن رجلٍ من رجال غزة الصابرين…
نكتب عن الأسير المناضل إبراهيم رائف محمود أبو سيف، ابن مخيم جباليا منطقة الهوجا، واللاجئ من بلدة يافا المحتلة، الذي خُطف من بين عائلته على مرأى ومسمع الجميع، ليُسجل اسمه في سجل الصمود الفلسطيني بمداد من وجع ونار.
وُلد إبراهيم بتاريخ 24 أبريل 1995، وتربّى في أحضان عائلة كادحة تتوارث النضال والكبرياء، وبدأ مسيرته التعليمية في مدارس وكالة الغوث (الأونروا) بمخيم جباليا، حيث أكمل مرحلتيه الابتدائية والإعدادية، ثم واصل دراسته في المدارس الحكومية حتى أنهى الثانوية العامة، لكن ضيق الحال حوّله مبكرًا إلى معترك العمل ليعين والده في مهنة السباكة.
إبراهيم متزوج، وهو أبٌ لثلاثة أطفال: نسرين، رائف، وسمير، يفتخر بهم كما يفتخر بكرامته التي لم تنكسر رغم كل ما مرّ به من تهجير وملاحقة وقهر.
حين اشتد القصف واشتعلت المجازر في مخيم جباليا، نزح إبراهيم مع أسرته من منطقة الهوجا إلى مشروع بيت لاهيا البلد. أكثر من خمسين يومًا أمضوها هناك في ظروف معيشية قاسية، تحت الحصار والقصف وندرة الطعام والماء، حتى أُجبروا على ترك المكان قسرًا بأوامر جيش الاحتلال.
في يوم النزوح المرير، خرج إبراهيم برفقة أمه، ووالده، وشقيقه محمود، وزوجته، وأطفاله الثلاثة، سالكين طريق الموت الجماعي: من بيت لاهيا البلد نحو مستشفى الإندونيسي، مرورًا بدوار حمودة، وصولًا إلى نقطة الجيش قرب الإدارة المدنية.
وهناك…
نُصبت المصيدة.
طُلب من النساء والأطفال العبور، فيما أُجبر الرجال والشباب على الاصطفاف في طوابير مهينة، تجاوز عدد الذكور في كل طابور المئة شخص. أُخضعوا لتفتيش دقيق ومراجعة أمنية عبر كاميرات ذكية. من لم يُشتبه به أُمر بالتوجه جنوبًا، أما من أدرجته حواسيب الاحتلال كـ”مشبوه”، أُعيد استجوابه مرات ومرات.
في ذلك المكان، أُوقف إبراهيم…
جُرّد من ملابسه، وأُلبس بدلة بيضاء، عُصبت عيناه وقُيّدت يداه وقدماه، وسُحب كما يُسحب الأسير في زمن الغزوات، لا لشيء سوى لأنه “ذكر من غزة”.
اقتيد إلى أحد المخازن التي حوّلها الاحتلال إلى مراكز احتجاز ميدانية، واحتُجز هناك لساعات طويلة مع عشرات الشبان.
ومن الذين كانوا معه في لحظات الاعتقال الميداني، والده رائف أبو سيف ” أبو إبراهيم “وشقيقه محمود أبو سيف، “سامي فودة” سامي أبو شرخ، وعدد كبير من المواطنين بينهم نساء وأطفال، أُخلي سبيلهم لاحقًا، إلا إبراهيم، الذي بقي وحده في غياهب الأسر منذ تاريخ 18 نوفمبر 2023 وحتى هذه اللحظة.
أي عدالة هذه؟
كان في بداية اعتقال في سجن سدي ايتمان سيء الصيت والسمعة وحاليا هو موجود في سجن النقب في غرفة” ٦”
أي قانون يجيز اعتقال إنسان هارب من الموت، فقط لأنه حاول النجاة مع أطفاله من المجازر؟
أي غطرسة تسمح بخلع شاب من بين أطفاله دون تهمة ولا محاكمة؟!
إبراهيم أبو سيف ليس مجرد رقم في قائمة المعتقلين، بل هو شاهد حيّ على الجريمة الممتدة ضد شعبنا، وعلى همجية الاحتلال الذي لا يفرق بين مُقاتل ومدني، بين راحل ونازح، بين رجلٍ يسير نحو الجنوب وأبٍ يحمل أطفاله إلى مأوى لا يُقصف.
لله درك يا إبراهيم…
لك حريتك الآتية رغم القيد…
ولأطفالك قُبلة الصبر على جباههم الصغيرة، حتى تعود