مقدمة

يبدو أن التدخل العسكري التركي في السودان، بقيادة قوى الإسلام السياسي المهيمنة على الجيش في مدينة بورتسودان، يمثل نقطة تحول خطيرة في مسار الدولة. فقد تطور الدعم التركي من الدعم الدعائي والمالي إلى دعم عسكري فعلي عبر تزويد المليشيات بمعدات ومنظومات عسكرية متقدمة، رغم انكشاف مدى فاعليتها على الأرض.

فشل الوساطة الرباعية

فشلت الآلية الرباعية (الولايات المتحدة، بريطانيا، السعودية، الإمارات) في فرض وقف فعال لإطلاق النار أو في الدفع نحو أي مسار سياسي مستدام. إذ أن التيارات الإسلامية المدعومة تركياً داخل الجيش السوداني استغلت هذه المبادرات لتعزيز مواقعها العسكرية في الشرق، وتعطيل أي فرصة للتسوية الوطنية.

حتى القمم والاجتماعات الدولية أصبحت تُعقد دون تمثيل حقيقي للحكومة، ما يعكس هشاشة الوضع السياسي وانعدام الرؤية الدولية لحل الأزمة جذرياً، وسط غياب قوى الثورة عن الطاولة.

تحذيرات بلينكن… القلق الأمريكي المتعاظم

أطلق وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، تصريحات شديدة اللهجة، معبّراً عن مخاوفه من أن ينتهي الأمر بالولايات المتحدة إلى دعم مجموعات إرهابية في السودان دون قصد، بسبب اختلاط المشهد العسكري بتيارات متطرفة تتلقى الدعم من الخارج.

بلينكن أشار صراحة إلى أن بعض القوى الإقليمية تدعم أطرافاً لا تسعى للسلام، بل تعزز من حالة الفوضى، مطالباً بمراجعة شاملة للسياسات الدولية تجاه السودان قبل أن يفوت الأوان.

الدعم التركي المباشر للجماعات المتطرفة

تشير الأدلة على الأرض إلى أن تركيا نقلت المسيّرات من طراز TB2 وYiha إلى السودان، وتحديداً إلى وحدات تابعة لقيادات إسلامية داخل الجيش، مع تزايد الدلائل على تقديم معدات مراقبة وتدريب لعناصر أمنية موالية لها.

كما ظهرت في موانئ مثل سواكن شحنات تركية يُشتبه في احتوائها على أجهزة عسكرية حساسة. وتواترت أنباء عن وجود مستشارين أمنيين وعسكريين أتراك داخل مناطق سيطرة الجيش، يقدمون الدعم الفني والتكتيكي لوحدات مختارة ترتبط بأجندات إسلامية.

بورتسودان: مركز القرار تحت النفوذ العقائدي

تحولت بورتسودان من مقر مؤقت لحكومة منهارة إلى مركز قرار تهيمن عليه التيارات الإسلامية المتشددة. تُدار الملفات الأمنية والعسكرية من داخل هذه المدينة بإشراف قادة محسوبين على النظام السابق، وبالتنسيق مع داعمين إقليميين كتركيا وقطر.

في المقابل، تم تهميش القوى المدنية الثورية، بل وجرى التضييق عليها، في محاولة لصياغة واقع سياسي جديد يفرض حكماً عسكرياً عقائدياً بعيداً عن تطلعات الشعب السوداني.

الآثار السلبية العميقة للتدخل التركي

1. تدويل الصراع الأيديولوجي

التدخل التركي يعيد السودان إلى مربع الصراع الديني، ويخلق بيئة خصبة للتطرف، مع محاولات إحياء المشروع الإخواني تحت غطاء الدولة.

2. تهديد وحدة السودان

في ظل سيطرة عقائدية على السلطة في الشرق، تزداد احتمالات الرفض من الغرب والجنوب، مما يفتح الباب أمام انقسامات جغرافية واجتماعية جديدة.

3. نسف المسار المدني

القوى المدنية تم إقصاؤها عمداً من مراكز القرار، مما أضعف فرص التفاوض السياسي، ورفع من أسهم الحلول العسكرية المدعومة من الخارج.

4. خطر على الأمن الإقليمي والدولي

السودان المطل على البحر الأحمر يتحول تدريجياً إلى ساحة صراع نفوذ بين قوى إقليمية. وأي اختراق تركي للقرار السياسي والعسكري فيه يهدد أمن الممرات البحرية والتجارة الدولية.

خاتمة

إن استمرار الدعم التركي للجماعات الإسلامية المتشددة داخل الجيش السوداني، وفشل الرباعية في التصدي لهذا التدخل، إلى جانب التحذيرات الأمريكية المتزايدة، يرسم صورة قاتمة لمستقبل السودان.

فالتدخل التركي ليس دعماً عسكرياً فحسب، بل هو مشروع أيديولوجي يهدف لإعادة إنتاج نظام شمولي ديني على أنقاض الدولة.

والتاريخ يعلّمنا أن التساهل مع مثل هذه المشاريع لا يؤدي إلا إلى الدمار، داخلياً وإقليمياً.

إن السودان بحاجة اليوم إلى موقف دولي واضح، يضع حداً لهذا التدخل، ويعيد رسم خريطة الحل بناءً على مطالب الشعب، لا مصالح الداعمين.

المصدر: صحيفة الراكوبة

شاركها.