نشرت مجلة “إيكونوميست” تقريرًا قالت فيه إن المجاعة في غزة تُظهر فشل الإستراتيجية الإسرائيلية، إذ أصبحت إسرائيل دولة منبوذة عالميًا، من دون أن تقضي على حركة حماس.

وأشارت المجلة إلى أن إعلان القوات الإسرائيلية، في 26 تموز/يوليو، عن إنزال المساعدات بالمظلات، وعن “توقف تكتيكي” للقتال في المناطق المكتظة بالسكان داخل القطاع المدمَّر، بما يسمح للمنظمات الإنسانية بإدخال مزيد من المساعدات للمدنيين الجائعين، هو دليل على فشل الإستراتيجية الإسرائيلية.

فبعد أربعة أشهر من خرق وقف إطلاق النار، وتشديد الحصار على القطاع، ومنع دخول أي مساعدات إنسانية، إلى جانب إعلان حملة عسكرية جديدة باسم “عربات جدعون”، ومحاولة استبدال المنظمات الدولية بقيادة الأمم المتحدة ببديل لتوفير الإمدادات الغذائية، زادت الأزمة الإنسانية حدّة، وجلبت لإسرائيل استنكارًا عالميًا، دون أن تدمّر حركة “حماس” التي لا تزال تسيطر على أجزاء من قطاع غزة.

ومع ذلك، وباستثناء محاولاتها الفورية لتهدئة المنتقدين الدوليين، واسترضاء المتشددين في الداخل، ليس من الواضح ما الذي سيحلّ محل هذه الإستراتيجية الفاشلة.

وجاء قرار السماح بدخول المزيد من المساعدات نتيجة تصاعد التقارير عن المجاعة في غزة وضغوط من حلفاء إسرائيل، وبخاصة من إدارة ترامب. ففي 29 تموز/يوليو، نشر التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي – وهي منظمة تدعمها الأمم المتحدة وتراقب الأمن الغذائي في العالم – أن “أسوأ سيناريوهات المجاعة” تتكشّف في غزة، مضيفًا أن المجاعة، وسوء التغذية، وانتشار الأمراض، تتسبب بارتفاع حاد في الوفيات المرتبطة بالجوع.

ومنذ نيسان/أبريل، تم نقل 20,000 طفل في غزة إلى المستشفيات بسبب سوء التغذية الحاد.

وفي 28 تموز/يوليو، قال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إن هناك “مجاعة حقيقية” في القطاع.

ولا تزال الحكومة الإسرائيلية تُنكر وجود مجاعة في غزة، وتنفي أن يكون سكان القطاع يتضورون جوعًا، واصفةً هذه المزاعم بأنها “دعاية من حماس”. وأكدت أن الحركة، التي تسيطر على أجزاء من القطاع، هي من تتحكم بتدفق المواد الإنسانية عبر منظمات الإغاثة القائمة، وهو زعم تنفيه الأمم المتحدة وبقية المنظمات الدولية.

وأشارت المجلة إلى أن استبدال هذا النظام بمؤسسة غامضة، تُعرف باسم “مؤسسة غزة الإنسانية”، والتي أنشئت في أيار/مايو، وأسّست أربعة مراكز داخل المناطق الخاضعة للقوات الإسرائيلية، وتديرها مجموعات من المرتزقة الأمريكيين، كان خيارًا كارثيًا، إذ تباطأ تدفّق المساعدات بشكل كبير.

إضافة إلى ذلك، قُتل مئات الفلسطينيين على يد الجيش الإسرائيلي أثناء محاولتهم الوصول إلى تلك المراكز، أو دُهسوا وهم يصطفون في طوابير للحصول على الطعام.

حتى قادة الجيش الإسرائيلي أقرّوا سرًّا بأن القطاع على شفا مجاعة، وحثّوا رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو على السماح بإدخال المزيد من المواد الغذائية.

ويقول مسؤولو الإغاثة إن التحول المزعوم في إستراتيجية إسرائيل لم يُحدث فارقًا كبيرًا على الأرض حتى الآن. فعمليات الإنزال الجوي لم تُحدث تأثيرًا يُذكر على احتياجات سكان غزة، الذين يزيد عددهم عن مليوني نسمة، إذ لا توجد وسيلة تضمن وصول الغذاء إلى من هم في أمَسّ الحاجة إليه.

وفي 29 تموز/يوليو، أعلنت السلطات الإسرائيلية أنها ستسمح بدخول 200 شاحنة يوميًا إلى القطاع، وهو عدد أقل بكثير من 500 إلى 600 شاحنة تقول منظمات الإغاثة إنه ضروري لتلبية الاحتياجات الأساسية.

وقال عمال الإغاثة إن نصف القوافل المخطّط لها لم يُسمح لها بالدخول بعد، وقد أوقفت حشود من الناس اليائسين العديد من الشاحنات ونهبتها أثناء عبورها.

وقال توم فليتشر، منسّق الإغاثة الطارئة في الأمم المتحدة، إن توفير الكميات الهائلة من المساعدات اللازمة لدرء المجاعة يتطلب تصاريح أسرع وطرقًا أكثر أمانًا.

وعد نتنياهو، في بيانٍ بالإنكليزية، بأن إسرائيل “ستواصل العمل مع الوكالات الدولية” وستضمن “تدفّق كميات كبيرة من المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة”.

أما بالعبرية، فكان أقل تسامحًا، إذ وعد قاعدته بأن “القتال في غزة سيستمر”، وأن “الهدف المتمثل في تدمير حماس سيُنجز”، مؤكدًا أن المساعدات ستكون “محدودة”.

وتعلّق “إيكونوميست” بأن هذه الرسائل المتضاربة تعكس، إلى جانب غرضها الدعائي، حالة من الغموض وعدم الوضوح. فنتنياهو حشر إسرائيل في زاوية ضيقة، من دون إستراتيجية بديلة واضحة.

ولا تزال المحادثات غير الرسمية مستمرة، منذ انهيار المفاوضات غير المباشرة بين إسرائيل و”حماس” في تموز/يوليو، وتُواصل الولايات المتحدة الضغط من أجل التوصّل إلى صفقة تنهي الحرب.

ومع تصاعد الإدانة الدولية لإسرائيل، قد تشعر “حماس” أنها في موقع يمكنها من التفاوض بشروط أكثر صرامة، لكن أي صفقة تُبقي “حماس” في السلطة، حتى جزئيًا، لن تكون مقبولة من إسرائيل.

الخطط الأخرى التي طرحتها حكومة نتنياهو لم تحظَ بقبول واسع، فقد واجهت فكرة إنشاء “مدينة إنسانية” تُجبر جميع سكان غزة على العيش فيها – على جزء صغير من أراضي القطاع – معارضة من الجيش الإسرائيلي. كما أن ضمّ أجزاء من القطاع، أو فرض حصار على المناطق المتبقية المأهولة بالمدنيين من شأنه أن يفاقم الوضع الإنساني المتدهور أصلًا، ويؤدي إلى موجة غضب عالمية جديدة، دون أن يقضي على “حماس”.

وتختم المجلة بأن طرح مثل هذه الأفكار الجذرية يرضي شركاء نتنياهو من اليمين المتطرف في الائتلاف، ومع دخول الكنيست في عطلة حتى منتصف تشرين الأول/أكتوبر، فإن نتنياهو لديه الآن مساحة أكبر للمناورة واتخاذ قرارات قد تثير غضب حلفائه، مثل الموافقة على وقف إطلاق النار.

ومع ذلك، فهو يبدو وكأنه يراهن على عامل الوقت. وبالنسبة لسكان غزة الجائعين، فإن هذا يعني أن أي تخفيف قد يكون مؤقتًا فقط.

شاركها.