د. أحمد عثمان عمر
طريق الجماهير المنظمة المتمسكة بثورة ديسمبر، الذي يمر عبر فترة انتقالية تؤسّس لتغيير جذري، يتبناه من هو على ثقة من قدرة قواها المنتظمة في الجبهة القاعدية على احداث التغيير الجذري المطلوب، بتفكيك وازالة التمكين وطرد طرفي الحرب من خارطة الصراع السياسي والنشاط الاقتصادي معا. وهذه الثقة ليست موقفا طوباويا او عاطفيا، بل محصلة طبيعية لقراءة تاريخ شعب انجز ثورة اكتوبر 1964م، وانتفاضة أبريل 1985م، وتوج ذلك بثورة ديسمبر المجيدة، التي تم احتواؤها بمساعدة التيار التسووي، توطئة لتصفيتها ولكن هيهات. فعلى عكس من ينطلقون من مواقع العجز وعدم الثقة بحركة الجماهير، الذين كانوا يخططون لخوض انتخابات 2020 الإنقاذية، والذين حدثونا عن الواقعية وحقن الدماء واستحالة حل مليشيا الجنجويد الإرهابية لأن لديها عدد كبير من المقاتلين، الذين يقفون عند “لا للحرب” ويتهربون من “نعم للثورة”، ينطلق المؤمنون بقدرة الجماهير المنظمة على صنع التغيير الجذري من ثقة مطلقة بها وتمسك لا محدود بشعارها كاملا “لا للحرب ونعم للثورة”.
وهؤلاء هم الذين لم يخافوا من القوى المضادة للثورة وذراعها الضارب الجيش المختطف ومليشيا الجنجويد الإرهابية وجهاز امن الإنقاذ، ولم يقبلوا بشراكات الدم انطلاقا من عجز مزمن للتيار التسووي سحبه توهما على حركة الجماهير، وراهن على الخارج وتسويات اصلاحية وهمية مع القوى المضادة للثورة، وشراكات مع العدو لتفكيك العدو.
فهم من اجبر النظام على تنفيذ انقلاب قصر على رئيسه، واسقطوا رئيس سلطة الانقلاب خلال أربعة وعشرين ساعة، وسعوا لإعلان سلطتهم من ساحة الاعتصام وخذلهم التيار التسووي، وسيروا مواكب 30 يونيو التي أرعبت الجنرالات واجهة الإسلاميين وأرجعتهم عن طريق الانفراد بالسلطة بعد مجزرة فض الاعتصام، وواصلوا تحركهم ضد حكومات شراكة الدم وقدموا عددا كبيرا من الشهداء حكومات الشراكة مسؤولة عن دمائهم، وافشلوا انقلاب الموز “أكتوبر 2021م، ومنعوه من تكوين حكومة او شرعنة نفسه لسنوات، وعزلوه داخليا واستمروا في تسيير المسيرات ضده في حين شرعنه (المؤسس) وعمل كرئيس وزراء له، وواصلوا نضالهم ضد الحرب ومن اجل استكمال مهام الثورة بعد إشعال طرفي الحرب هذه الحرب اللعينة، ورفضوا شرعنة الحرب او الانخراط فيها دعما لأي من طرفيها المجرمين بأي صورة من الصور، وتمسكوا بطردهما من الساحة السياسية والاقتصادية ومحاسبتهما. هؤلاء هم اساس التغيير وثوار ثورة ديسمبر الذين يشكلون قواها الحية، والذين صمدوا خلال عملية الفرز وعليهم الاصطفاف وفقا لهذا الفرز لمواصلة ثورتهم التي لم تمت جذوتها ولم تسقط شعاراتها بعد، للإتيان بسلطة الشعب والثورة الحقيقية لا بشراكات دم، تقوم بتوفير العدالة والسلام والحرية، بالسير في طريق وعر لا يستسهله احد، ومتى كانت الثورة وهي تغيير جذري بطبيعتها عملًا سهلا ؟؟
هذا اليقين يصدر عن تجربة ومعرفة بحركة جماهير فاعلة امتدّت لكل تراب الوطن، نتيجة لتعميم الرأسمالية الطفيلية استغلالها للمجتمعين الحضري والريفي معاً، وتكريس الإفقار المستمر كحالة مستدامة. كذلك يصدر بالرغم من حالة الشتات التي صنعتها الحرب، وانحسار العمل الجماهيري المفتوح الذي كان احد أهداف الحرب التي اشعلتها القوى المضادة للثورة لطرد الجماهير من الساحة السياسية وفرض إرادتها عليها، وبالرغم من تثبيط التيار التسووي للهمم والقول باستحالة تجميع قوى الثورة واخراجها من حالة الضعف لحالة الوحدة وفرض الإرادة على العدو، ومراهنته على المجتمع الدولي لفرض الحلول.
فالجماهير الرافضة للحرب هي أغلبية على عكس ما يصوره إعلام طرفي الحرب ويشتريه التسوويون لشئ في نفس يعقوب، والراغبون في الانتظام لإيقاف الحرب وطرد طرفيها ومحاسبتهما على جرائمهما كثر، والمجال مفتوح لابتداع سبل التنظيم الممكنة في ظل عملها السري المؤمن وشبه العلني حسب الظرف والموقع، والتكامل بين قيادة الجبهة القاعدية في الداخل ومنظماتها في الخارج ممكن في ظل التطور التكنولوجي الهائل، والتمركز حول شعارات ثورة ديسمبر وتحويلها إلى برنامج عمل واستراتيجية لها مواثيقها أمر واقع بالفعل، وما ينقص هو استكمال بناء هذه الجبهة فقط وإعلان سلطتها البديلة وليست الموازية، لأنها تكتسب شرعية جماهيرية على عكس سلطتي الأمر الواقع للجيش المختطف والمليشيا الأرهابية. هذه المهمة صعبة ومعقدة بلا شك، لكن تصويرها بأنها مستحيلة هو تسويق لوهم يمنع العمل ويكرس الفشل قبل البدء في المهمة، يصدر عن البعض عن علم ودراية لتسويق تسويات الإصلاح الوهمي المؤسس لشراكات الدم، وعن اخرين لأحساسهم بالعجز ووقوعهم في أحابيل دعاية خبيثة تحاول استدامة عجز الجماهير لمنعها من المشاركة الفاعلة وفرض ارادتها على الجميع. فالجماهير قدرتها على العطاء لا محدودة، وفعلها مزلزل لأي سلطة استبدادية مهما كانت قدراتها العسكرية والأمنية، وتجربة شعبنا والشعوب الأخرى تقول ذلك علناً ودون مواربة.
لذلك المطلوب هو ليس الخضوع لارادة طرفي الحرب والسماح لهما بتحقيق أهدافها ورسملتها، بحيث يصبح تواجدهما في الساحة قدرا وحتمية، بل على عكس ذلك تماماً، الواجب هو توفير الأداة القادرة على تأطير إرادة الجماهير وتنظيمها، لتمنع قيام اي سلطة امر واقع ناتجة عن تسوية بين طرفي الحرب واللجنة الأمنية للإنقاذ، ومعارضة اي سلطة ينشئها اي من الطرفين، والعمل على اسقاطها. وبدء هذه المسيرة هو رفض شرعنة حكومة الأمر الواقع المعلنة من قبل الجيش المختطف لتكريس التمكين، وكذلك رفض شرعنة حكومة الجنجويد المعلنة من تحالف تأسيس، بوصفهما حكومتان مبنيتان على انقلاب انقسمت قيادته، سليلتان عدم شرعية من المستحيل ان تتحول إلى شرعية، وممثلتان لقوى معادية لشعبنا بطبيعة منحدرها الاجتماعي، ومرتكبتان لجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية وجرائم أخرى من ضمنها تخريب الاقتصاد الوطني وتقويض النظام الدستوري والتمرد ومجزرة فض القيادة العامة ، لا بد من محاسبتهما عليها وعدم السماح لهما بالإفلات من العقاب.
لا سبيل لمصالحة او تسوية مع طرفي الحرب او تحالف معهما او شراكة دم جديدة، والتعامل معهما يجب ان يتم على اساس شعار ثورة ديسمبر المجيدة “الثورة ثورة شعب والسلطة سلطة شعب والعسكر للثكنات والجنجويد ينحل”، دون تقليل من عظم المهمة، ولا اوهام حول مشقة العمل على تفكيك التمكين في الجيش المختطف اولا وإعادة تأسيسه على أسس مهنية من جديد تحيله مستقبلا إلى حراسة الحدود والدفاع عن السيادة ضد المخاطر العسكرية الخارجية، وصعوبة تفكيك المليشيا الأرهابية وحلها، مع يقين بأن حركة الجماهير المنظمة قادرة على ذلك، بدءا من رفض شرعنة طرفي الحرب إلى وضعهما تحت إمرة سلطة الانتقال المناط بها تفكيك وإعادة هيكلة القوتين مع حل جهاز امن الإنقاذ، حتى يصبح الانتقال ممكنا.
طريق الثورة واضح، والبناء عليه ممكن، وأساسه شعارات ثورة ديسمبر ممكنة التحقيق ولو بعد حين، ورفض شرعنة اي من طرفي الحرب والعمل ضدهما معا وهذا ليس حياد بالطبع، لأن المعيار ليس هو الحرب، بل المعيار هو ثورة ديسمبر ومن هو معها ومن هو ضدها. وثقتنا ان جماهير شعبنا تستطيع التفرقة بين الغث والسمين، وأن طريق الثورة يتطلب العمل الدؤوب الصبور، مع توفير مقومات الصمود لحين الانتصار الحتمي، واعلاء شأن إرادة الشعوب التي لا تقهر.
وقوموا إلى ثورتكم يرحمكم الله!!
المصدر: صحيفة الراكوبة