“أب سنينة يضحك على أب سنين”: حكومة “الأمل الخائب” تشمت بحكومة السلام وهي تغرق في عزلة الحرب
✍️ بقلم: حسن عبد الرضي الشيخ
في مشهدٍ لا يخلو من المفارقة والسخرية السوداء، هللت حكومة بورتوسودان أو ما نسمّيها اختصارًا حكومة بورتوكيزان للبيانات الصادرة عن مجلس السلم والأمن الإفريقي، والجامعة العربية، وحتى تصريحات الأمين العام للأمم المتحدة، التي عبرت عن “عدم الاعتراف” بالحكومة التي أعلنها تحالف تأسيس تحت شعار “حكومة السلام والوحدة”.
أما بيان الجامعة العربية، فلا يستحق رشة حبر، فهي كما هو معلوم ولدت ميتة، لأنها دعوة عرقية عجزت طيلة أكثر من خمسين عامًا عن حل قضيتها الأولى: فلسطين. لذا، فلا جدوى من نكء جروحها التي لن تندمل، فكما يقول المثل: “الضرب على الميت حرام”.
احتفلت حكومة الخرطوم الجديدة في المنفى كما لو كانت تعانق النصر وتقبض على مفاتيح الشرعية الدولية، متناسية أنها هي نفسها تعيش في عزلة سياسية ودبلوماسية خانقة، لم تنجح كل محاولاتها اليائسة في كسرها.
ينطبق على هذا المشهد تمامًا المثل السوداني البليغ: “أب سنينة يضحك على أب سنين!”
فما الفرق بين حكومتين فاقدتين للاعتراف الدولي؟
حكومة البرهان في بورتوسودان لا يعترف بها الاتحاد الإفريقي ولا الأمم المتحدة، ويتم التعامل معها على مضض كـ”سلطة أمر واقع”. فبأي منطق تعتقد أنها قادرة على نزع شرعية حكومة أخرى، وهي لم تظفر بها أصلًا؟!
إذا كان هناك من يحتفل بعدم الاعتراف الدولي بحكومة “تأسيس”، فعليه أولًا أن يضمن الاعتراف بنفسه، وإلا فإن الأمر لا يعدو كونه رقصًا أجوفًا فوق رماد الخيبة!
الواقع أن ما يُرجّح كفة “حكومة السلام والوحدة” المُعلنة من داخل البلاد، لا يتمثل في بيانات الدعم الدولية التي لا تمتلكها أصلًا بل في الاعتراف الشعبي الحقيقي.
فقد منحتها شعوب غرب السودان ووسطه غطاءً سياسيًا وجماهيريًا يصعب إنكاره، بينما فقدت حكومة البرهان ما تبقى من مشروعيتها، حتى في أعين أولئك الذين كانوا ينتظرونها على أحر من الجمر، فإذا بهم اليوم يجلسون على الجمر من شدة الخذلان وانسداد الأفق.
العالم لا يعترف بالحكومات حسب مزاجات السياسيين، بل بناءً على من يملك أدوات السيطرة، والإنتاج، والتواصل.
وإذا كانت حكومة بورتوسودان تتعامل دوليًا كـ”أمر واقع”، فما الذي يمنع حكومة نيالا أو الفاشر أو زالنجي من اكتساب الصفة ذاتها؟ “مافي حد أحسن من حد”.
بل إن بعض الخبراء يشيرون إلى أن حكومة “السلام” بدأت فعليًا في إقامة علاقات اقتصادية غير مباشرة مع شركات عالمية، عبر تجارة الصمغ العربي، والذهب، والنفط، والثروة الحيوانية، والمحاصيل الزراعية.
أما حكومة بورتوكيزان، فما الذي تباهي به؟
ذهب دارفور؟ لقد أنهكته عمليات النهب المنظم، عبر وزارات مالية مختطفة، ووزارات معادن تدار من أمراء الحرب، الذين اعتادوا تهريب الذهب إلى الإمارات الدولة التي يلعنونها في العلن، ثم يهرولون إليها سرًّا لتصريف المسروق!
الشرعية لا تُمنح في المؤتمرات الصحفية، ولا تُنتزع من البيانات، بل تُصنع على الأرض، وتُبنى على الثقة الشعبية والشفافية والانضباط.
وإذا كانت حكومة “السلام والوحدة” لا تزال في طور التكوين، فإنها على الأقل تملك ما لا تملكه نظيرتها: مشروعًا واضحًا، وامتدادًا شعبيًا، وموارد قابلة للتوظيف.
أما حكومة بورتوسودان، فقد أثبتت أنها حكومة “أمل خيّب الأمل”، وأنها تتصرف كمن يعيش في صالة انتظار، يرقص كلما تأخرت الطائرة، ثم يعود لينام على البلاط!
وقد آن الأوان لتجاوز مهزلة “من يعترف بمن”، والتوجه بجدية نحو ما يحتاجه الشعب السوداني: حكومة تحترم العقل، وتلتزم بالوطن، وتخدم الناس لا الجنرالات.
المصدر: صحيفة التغيير