حامد عثمان محمد
في صباح 25 أكتوبر 2021، استيقظ السودانيون على مشهد مألوف من تاريخهم السياسي القريب: انقلاب عسكري جديد، يقوّض ما تبقى من مسار التحول الديمقراطي الذي بدأ بعد ثورة ديسمبر 2018. وبينما رُوّج له باعتباره “تصحيحًا لمسار الثورة”، سرعان ما اتضح أنه كان بداية لانحدار غير مسبوق في تاريخ السودان الحديث، سياسيًا واقتصاديًا وأمنيًا. وبعد أقل من عامين، دخلت البلاد في حرب مدمرة بين الجيش وقوات الدعم السريع، حصدت أرواح الآلاف وشردت الملايين.
انقلاب على الوثيقة الدستورية والتوافق الوطني
شكّل انقلاب 25 أكتوبر خرقًا صريحًا للوثيقة الدستورية الموقعة في أغسطس 2019، والتي نظّمت العلاقة بين المكوّن المدني والعسكري في الفترة الانتقالية. إذ أقدم قائد الجيش، الفريق أول عبد الفتاح البرهان، على حلّ الحكومة واعتقال رئيس الوزراء عبدالله حمدوك وعدد من الوزراء، معلنًا بذلك إنهاء الشراكة التي قامت على تضحيات شعب بأكمله خرج يطالب بالحرية والسلام والعدالة.
تفكيك مؤسسات التحول والانزلاق نحو الحكم الفردي
بُعيد الانقلاب، جُمّدت لجنة إزالة التمكين، وأُعيد تمكين عناصر النظام السابق في مفاصل الدولة، في وقتٍ انطلقت فيه حملة قمع واسعة ضد المتظاهرين السلميين، أسفرت عن مقتل أكثر من 120 شهيدًا بين أكتوبر 2021 ويونيو 2022، وفقًا لإحصاءات لجان المقاومة ومنظمة حاضرين . كما أُغلقت وسائل إعلام، واعتُقل صحفيون وناشطون، مما أعاد البلاد إلى مربع الاستبداد.
انهيار اقتصادي ومعيشي شامل
لم تُقدّم السلطة الانقلابية أي حلول تُذكر للأزمة الاقتصادية، بل زادت من تعقيدها. تفاقم التضخم ليتجاوز 300% في بعض الأشهر، وفقًا لتقارير بنك السودان المركزي، وانهار سعر الجنيه أمام الدولار، مع اختفاء الدعم الدولي الذي كان مخصصًا لدعم الانتقال الديمقراطي، مثل برنامج البنك الدولي ثمرات الذي توقّف بالكامل بعد الانقلاب. كما شهدت البلاد انعدامًا في الأدوية والوقود، وتراجعًا حادًا في خدمات التعليم والصحة.
تمكين الميليشيات وزرع بذور الحرب
من أبرز نتائج انقلاب 25 أكتوبر الكارثية، أنه أضعف مؤسسات الدولة، وفتح المجال أمام تمدد الميليشيات المسلحة، خاصة قوات الدعم السريع وبعض الحركات الموقعة على اتفاق جوبا للسلام. وبدلاً من الدمج في جيش وطني موحد، أُعطيت هذه الكيانات حرية الحركة والسلاح والتمويل، مما خلق مراكز قوى متصارعة داخل الدولة نفسها. ووفقًا لتقارير لجنة الأمم المتحدة الخاصة بالسودان (2023)، فإن هذه البيئة المتشظية ساهمت في اندلاع الصراع بين الجيش والدعم السريع في أبريل 2023، والذي تحول إلى حرب شاملة.
المسؤولية المؤسسية للمؤسسة العسكرية
لا يمكن فهم ما حدث دون النظر في التاريخ السياسي للمؤسسة العسكرية السودانية، التي نفذت أكثر من خمسة انقلابات منذ الاستقلال، وأحكمت قبضتها على الاقتصاد والسياسة لعقود. استمرار هيمنة هذه المؤسسة على مفاصل الدولة هو ما حال دون إرساء دعائم الحكم المدني، وهو ما أكده تقرير مجموعة الأزمات الدولية في نوفمبر 2021، مشيرًا إلى أن العسكريين ظلوا ينظرون للسلطة كامتياز طبيعي لا كشراكة انتقالية.
ختامًا: لا مستقبل للبلاد إلا في ظل الدولة المدنية
انقلاب 25 أكتوبر 2021 لم يكن مجرد انتكاسة سياسية، بل كان الشرارة التي أحرقت ما تبقى من الأمل، وعبّد الطريق لحرب طاحنة لا تزال مستعرة حتى اليوم. وإن كانت دروس التاريخ تُفيد بشيء، فهي أن لا مخرج من هذا النفق إلا بإنهاء سيطرة العسكر على السياسة، وقيام دولة مدنية ديمقراطية، تُبنى على العدالة والمحاسبة، لا على الحصانات والصفقات.
لقد آن الأوان أن يقول الشعب السوداني كلمته مرة أخرى، لا من أجل إسقاط انقلاب جديد، بل من أجل منع تكراره إلى الأبد.
[email protected]
المصدر: صحيفة الراكوبة