نشرت صحيفة “الأحداث” في عددها الصادر بالخرطوم بتاريخ 27 يوليو 2025 خبراً لافتاً في صفحتها الاقتصادية، يفيد بأن السودان يعتزم طرح فرص استثمارية لمستثمرين برازيليين، وذلك في إطار التحضير لملتقى اقتصادي يُنتظر انعقاده في ساو باولو بالبرازيل خلال شهر سبتمبر المقبل، بمشاركة وزيرة الاستثمار في حكومة بورتسودان، وبترتيب من سفارة السودان في البرازيل.

من حيث الشكل، يبدو الخبر كأي نشاط دبلوماسي اقتصادي تسعى عبره الدول النامية لجذب الاستثمارات الأجنبية. غير أن المضمون والسياق يطرحان أسئلة حقيقية تتجاوز حدود العلاقات العامة إلى عمق الأزمة الوطنية التي تعصف بالسودان.

فأيّ بيئة استثمارية يمكن الترويج لها في بلد يعاني من حرب أهلية مفتوحة منذ أكثر من عامين، أدت إلى مقتل الآلاف ونزوح الملايين، وانهيار مؤسسات الدولة في معظم ولايات البلاد!

◄ المستثمرون الحقيقيون لا يبحثون عن صور دعائية، بل عن دولة مستقرة، وشعب موحد، وقانون يحكم، وسلم أهلي يحفظ الحقوق

وأيّ مستثمر أجنبي، مهما بلغت شجاعته أو طموحه، يمكن أن يخاطر بأمواله في بلد غارق في عدم الاستقرار، بلا حكومة مركزية موحدة، ولا نظام مصرفي يعمل، ولا نظام عدلي يضمن الحقوق والعقود؟

والأخطر من كل ذلك، أن هذه الأنشطة لم تعد تهدف لتحسين بيئة الاستثمار بقدر ما أصبحت أدوات سياسية تحاول من خلالها السلطة الانقلابية التي لا تحظى بأيّ اعتراف دولي فعلي أن تكتسب شيئاً من الشرعية الخارجية، ولو من باب تنظيم “ملتقى اقتصادي” في الخارج، يعيد تقديمها كلاعب دولي قابل للتعامل.

لكن الحقيقة المرة هي أن هذه المحاولات، مهما اكتسبت من ديباجات رسمية، لن تغيّر شيئاً من واقع الانهيار الكامل الذي تعيشه البلاد، ما لم تتوقف الحرب، وتُستعاد الدولة المدنية، ويُعاد بناء الثقة في المؤسسات السيادية والاقتصادية على أسس وطنية وديمقراطية.

ما يحدث الآن هو توظيف العلاقات الدبلوماسية بشكل انتقائي، لخدمة سلطة الأمر الواقع في بورتسودان، التي تفتقر إلى التفويض الشعبي، وتستخدم السفارات كمنابر لتلميع الانقلاب وليس لخدمة المصالح القومية.

وفي النهاية، يبقى الأهم هو مخاطبة جذور الأزمة، لا الترويج لفرص استثمارية زائفة في زمن الدمار والتشظي. فالمستثمرون الحقيقيون لا يبحثون عن صور دعائية، بل عن دولة مستقرة، وشعب موحد، وقانون يحكم، وسلم أهلي يحفظ الحقوق.

المصدر: صحيفة الراكوبة

شاركها.