أمد/ لا يمكن ولا يجب أصلاً التقليل من أهمية اعتراف فرنسا بالدولة الفلسطينية ومؤتمر حل الدولتين الذى تقوده وتترأسه مع السعودية، اليوم الإثنين، في مقر الأمم المتحدة في مدينة نيويورك، مع الإشارة كذلك إلى معطيين مهمين مفادهما ضرورة عدم الانشغال كثيراً بدوافع باريس وسعيها المحمود للتعويض في فلسطين عن تراجع حضورها وتأثيرها في سوريا ولبنان وإفريقيا والعالم، وبالمقابل يجب الانشغال والاهتمام كثيراً بالفراغ القيادي الفلسطيني وغياب قيادة موحدة جديرة ومصداقة ونزيهة لملاقاة الاعتراف الأممي بالدولة وإعادة الاعتبار للقضية الفلسطينية، كقاعدة لإنهاء الحرب بغزة والاستقرار في المنطقة والعالم.

 

أهمية مضاعفة

إذن، أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الخميس الماضي، عن قرار الاعتراف بدولة فلسطين رسمياً في أيلول/سبتمبر المقبل، على هامش اللقاء السنوي للجمعية العامة للأمم المتحدة، حيث سيعقد كذلك مؤتمر على مستوى القمة بهذا الخصوص في مقر المنظمة الدولية بنيويورك.

يبدو الاعلان الفرنسي مهم بل مهم جداً كوننا نتحدث عن دولة أوروبية مركزية وذات نفوذ، كما أنها الوحيدة التي تقوم بخطوة كهذه بين الدول السبع الكبرى الغنية والمؤثرة والمتحكمة بالتطورات والقضايا في العالم، ورغم تآكل هذا التحكم بشكل تدريجي بطيء ومتواصل لكنه لا ينال من صحة القاعدة.

يعطي الاعتراف من دولة بحجم فرنسا أهمية مضاعفة لفكرة الاعتراف الآن بالدولة الفلسطينية والتخلي الموضوعي والصائب عن المنحى السابق بتأجيل الاعتراف إلى حين ختام المفاوضات وعملية التسوية مع إسرائيل، ومن جهة أخرى تؤكد فشل هذا المنحى الذى انطلق منذ ثلاثة عقود أي مع عملية مدريدأوسلو، وبالحقيقة منذ خمسة عقود مع ابتداع وزير الخارجية الأميركية السابق هنري كيسنجر، مصطلح عملية السلام وضرورة إبقائها على السكة ولو متعثرة ودون الوصول الى السلام نفسه.

لا يقل عما سبق أهمية قول الرئيس الفرنسي إنه سيدفع  باتجاه تشجيع دول أخرى للانخراط بمبادرة الاعتراف بالدولة الفلسطينية، ما يعنى  توسيع الدائرة أوروبياً مع وجود 11 دولة  بينها إسبانيا وبلجيكا وايرلندا والنرويج والسويد تعترف بفلسطين “و147 دولة حول العالم”. وعلى مستوى القارة العجوز، يتعلق الأمر مباشرة ببريطانيا التي تزداد فيها الضغوط الحزبية والسياسية والاعلامية والشعبية للقيام بخطوة مماثلة ثم ايطاليا وألمانيا مع الاقرار المبدئي منهما بحل الدولتين، والانفتاح على الاعتراف بالدولة الفلسطينية لكن عند إقامتها في نهاية العملية.

 

مؤتمر حل الدولتين

هذا ينقلنا مباشرة إلى مؤتمر حل الدولتين، اليوم الإثنين، بمدينة نيويورك والذى كان من المفترض انعقاده منتصف حزيران يونيو الماضي تم تأجيله بسبب المواجهة الإسرائيلية الإيرانية الأخيرة  والذي سيلتئم  على مستوى وزراء الخارجية برئاسة عربية سعودية فرنسية، ومشاركة عشرات الدول الأخرى، ويفترض أن يمأسس فكرة الاعتراف بالدولة الفلسطينية وتشجيع دول أخرى على الانضمام للمبادرة، كما يعيد الاعتبار لحل الدولتين الذى لم يكن ضعيفاً كما هو اليوم، ولكنه لم يكن مطلوباً وضرورياً كما هو اليوم حسب تعبير  مسؤول  كبير بالخارجية الفرنسية.

يجب الانتباه هنا إلى أهمية انعقاد المؤتمر بمقر الأمم المتحدة بنيويورك، ليس فقط لتشجيع الدول الأعضاء إلى الانضمام للمبادرة والمشاركة بالمؤتمر، وإنما لإعادة الأمم المتحدة والشرعية الدولية إلى القضية الفلسطينية وجهود ومساعي حلها.

في اتجاه فلسطيني أخر، تكتسب الخطوة الفرنسية كما مؤتمر نيويورك المرتبط معها أهمية مضاعفة، بموازاة المساعي  الجارية لوقف الحرب بغزة وافتقادها إلى الأفق السياسي بظل مطالب حماس الأربعة وقف اطلاق النار النهائي والانسحاب التام وإدخال المساعدات وإعادة الاعمار التي تستبطن الرغبة بالعودة إلى مساء 6 تشرين أول/أكتوبر ،2023 وبالتالي تشبثها بالسلطة ولو صورياً وعلى أنقاض غزة المدمرة بالكامل، ما يعني بالجوهر تلاشي أي احتمال أمام إعادة إعمار جدية ومسؤولة في ظل رفض دول كبرى عديدة 85 بالمائة من المانحين لغزة وفلسطين الانخراط فيها إذا ما بقيت حماس متحكمة، ودون حدوث تغيير جدي بغزة، بما في ذلك الأفق السياسي المرتبط بإنهاء الانقسام وتشكيل قيادة موحدة مع الضفة الغربية والعمل على حل جدى نهائي وعادل ومستدام للقضية الفلسطينية يمنع العودة للحرب مرة أخرى.

 

استحالة العودة

الشاهد هنا أن ثمة قناعة عربية ودولية تتبلور مفادها استحالة العودة إلى مساء 6 تشرين الأول/أكتوبر، حيث لا ضمان للتعافي وإعادة الاعمار وعدم العودة للحرب وإشاعة الاستقرار والسلام في المنطقة والعالم بعدما تأكدت حقيقة أن القضية الفلسطينية أممية بامتياز دون حل عادل وأفق ومسار سياسي لا رجعة عنه نحو الدولة الفلسطينية المستقلة كاملة السيادة وفق مواثيق الشرعية الدولية وقراراتها.

وعليه وأمام أهمية المعطيات المذكورة أعلاه، فلا داعى للانشغال كثيراً بدوافع فرنسا لاستعادة نفوذها في المنطقة من البوابة الفلسطينية العربية وبعد تراجع حضورها وتأثيرها في سوريا ولبنان وإفريقيا، وسعي الرئيس ماكرون لتعزيز شعبيته داخلياً  نظراً للدعم الجماهيري الكبير للخطوة، وتقبل الرواية الفلسطينية العادلة والحضور الفرنسي هنا محمود ولا ينال من سعيها للحضور والتأثير الايجابي في قضايا عربية وإقليمية أخرى. والأهم أنه يجرى بتنسيق تام مع الدول العربية من خلال السعودية بمعنى أن لا نية للتفرد الفرنسي أو محاولة للمقايضة واستغلال القضية لتحقيق مكاسب خاصة بملفات أخرى.

أما السعودية التي تتولى رئاسة المؤتمر وقيادة جهود الاعتراف بالدولة وحل الدولتين مع فرنسا، فتسعي لتكريس قيادتها العربية والتعبير عن قناعتها بصعوبة وربما استحالة تحقيق الأمن والاستقرار وتهيئة الظروف المناسبة أمام المشاريع التنموية العملاقة محلياً وإقليمياً دون حل القضية الفلسطينية وفق القواعد والأسس المتفق عليها ويرتضيها أصحابها.

وبالعودة للبعد الفلسطيني المتمثل بضرورة مواكبة الجهود العربية والفرنسية والدولية، فلا يجب أن يكون هؤلاء ملكيين وفلسطينيين أكثر منا، ما يعنى صراحة ومباشرة ضرورة أن تكون القيادة الفلسطينية على مستوى الحدث وهذا غير متوفر للأسف لا في رام الله ولا في غزة، ما يعزز الحاجة إلى الإصلاحات للضرورات الوطنية مع احترام وتقدير المطالب العربية والدولية بهذا الخصوص وتولي قيادة جديدة المسؤولية ولو بشكل مرحلي عبر تشكيل حكومة توافق  وطني من كفاءات مستقلة ونزيهة وذات مصداقية داخلياً وخارجياً، كي تقود الجهود لإنهاء الحرب والتعافي وإعادة الاعمار وتوحيد المؤسسات وتهيئة الظروف المناسبة بعد فترة زمنية معقولة لإجراء الحزمة الانتخابية الكاملة للرئاسة والتشريعي والمجلس الوطني وتمكين الشعب الذى كان دوماً متقدماً على فصائله من اختيار قيادة جديرة بعناده وصموده الأسطوري وتضحياته الهائلة لقرن من الزمان .

شاركها.