رسالة إلى القائد والصديق المناضل ياسر عرمان
في شأن انتقادك لوجود حكومتين تتنازعان الشرعية والسلطة والموارد، وتُطيلان أمد الحرب
د. احمد التيجاني سيد احمد
سلام يا قايد،
أعود إلى مقالك الأخير، الذي لفتَّ فيه الانتباه إلى واقع غير مسبوق في السودان منذ ١٩٥٦: وجود حكومتين تتنازعان الشرعية والسلطة والموارد، وتُطيلان أمد الحرب. لكن قبل الإجابة، لا بد من طرح السؤال الجوهري: هل تقاسم الشعب السوداني السلطة والموارد والشرعية أصلًا منذ الاستقلال؟
أولًا: شرعية السلطة
منذ استقلال السودان، لم ينعم بحكم ديمقراطي شرعي إلا في ثلاث فترات قصيرة مجموعها ١٣ عامًا، متناثرة بين ١٩٥٦ و٢٠٢٥:
(١٩٥٦١٩٥٨): عامان
(١٩٦٥١٩٦٩): أربع سنوات
(١٩٨٦١٩٨٩): أربع سنوات
(٢٠١٩٢٠٢١): ثلاث سنوات لحكومة انتقالية اختطفها العسكر مبكرًا.
أما بقية السنوات أي أكثر من ٥٦ عامًا فكان الحكم فيها عسكريًا أو شمولياً، بلا شرعية حقيقية، وبلا تقاسم للسلطة مع الشعب.
ثانيًا: الموارد المنهوبة
السودان، كما تعلم، لم يحظَ بسيادة فعلية على موارده:
تُهرّب المنتجات الزراعية إلى مصر والدول المجاورة.
الصمغ العربي تهيمن عليه الشركات الفرنسية.
الثروة الحيوانية تُصدر إناثها بقرارات فوقية من العسكر.
النفط، الذهب، الصادرات الزراعية لا قيمة مضافة، ولا سيادة وطنية.
والنتيجة؟ بلد غني بالموارد، فقير في الصحة والتعليم والخدمات.
ثالثًا: تقسيم الوطن وتمزيقه
استيلاء العسكر على الحكم لم يكن مجرد انقلاب على السلطة، بل مشروع تدميري متكامل:
انفصال الجنوب
احتلال حلايب وشلاتين ونتوء أرقين
ضياع أراضي الفشقة
والانهيار الشامل للمؤسسات والقيم.
المعضلة الكبرى: مشروع التمكين الإسلامي
أنت تعلم كما نعلم، أن أصل البلاء هو مشروع التمكين الذي تقوده الحركة الإسلامية (الكيزانية)، وقد حدده أحد قادتها بمدة ستمائة عام!
وفتواهم الشهيرة تقول كل شيء: “يا نحكمكم، يا نكتلكم”.
هذه ليست معركة جنرالات بل حرب بدأتها كتائب البراء، لتفكيك السودان وإخضاعه بالقوة.
اليوم، النضال المدني في مهبّ الريح، والواقع تغيّر:
ملايين من المهجّرين والنازحين.
مجتمع مفكك تحت القصف والمجاعة.
قوى الثورة تفتقد أدواتها التقليدية.
ما العمل؟
أمام السودان خياران فقط:
١. أن يتوافق العالم على أن السودان مهم، ويُطبق عليه “الفصل السابع” بجدية لكن هذا احتمال ضعيف في ظل التوازنات الدولية الحالية.
٢. أن تنجح مبادرة تحالف تأسيس وهي ليست كيانًا نخبويًا، بل امتداد طبيعي للثورة الديسمبرية.
تشمل لجان المقاومة، والنقابات، والمجتمع المدني، والحركات المسلحة، وأبناء الهامش.
لا خلاف بينها وبين مبادئ تجمّع تقدّم أو الصمود: الحرية، السلام، العدالة، وبناء دولة مدنية فدرالية عادلة.
ليست حكومة موازية، بل بداية جديدة
ما يُسمى “حكومة تأسيس السودان” ليست سلطة موازية كما يُشاع، بل نواة لسلطة جديدة تنبع من الأقاليم الثمانية، لا من المركز المتآكل.
سلطة تنتمي إلى الشعب، لا إلى نخب الخرطوم أو جنرالات الانقلابات.
نحن لا ننتظر توافقات فوقية، بل نبني من تحت الرماد بوعي، ودماء، وإرادة.
يا قايد،
الشارع مدرك لما يجري. يعرف أن هذه الدماء التي سالت لم تكن من أجل استبدال طاغية بآخر، ولا من أجل التفاوض على الفُتات.
بل من أجل وطن جديد وطن يليق بالشهداء.
د. أحمد التيجاني سيد أحمد
عضو تحالف تأسيس
٢٨ يوليو ٢٠٢٥ روما، إيطاليا
المصدر: صحيفة الراكوبة