عمار قاسم حمودة
في سباق الأعمال، التكنولوجيا تفوز دائماً. ولكن لماذا حظر واتساب تحديدا؟ وكيف تعمل طريقته في المكالمات؟
أي قرار بحظر خدمات المحادثات الصوتية والمرئية عبر التطبيقات، هو في تقديري محاولة لتعويض النقص الذي حصل في الايرادات الضريبية وعائدات شركات الاتصالات، وهو صمم لصالح منظم الاتصالات وربما الشركات.
ولماذا واتساب؟
لأنه التطبيق الأكثر شيوعا عند الجمهور السوداني، ولكنه حتما ليس التطبيق الوحيد الذي يمكن من اجراء المكالمات الصوتية والمرئية الى جانب خدمات التراسل الفوري للنصوص والصور والصوت ومقاطع الفيديو. بالطبع فإن الاستهلاك للبيانات يكون أكبر في حالة المكالمات الصوتية ثم المكالمات المرئية ومن بعدها ارسال مقاطع الفيديو والرسائل الصوتية بتفاوت احجامها، واقلها استهلاكا هو تراسل النصوص. مع انتشار تطبيق واتساب واعتماده على توفر حزمة بيانات معتبرة من الشركة مقدمة الخدمة او اتصال بأي شكل عبر الانترنت كمثال شبكات الواي فاي في المنازل والمكاتب والمحلات، أصبح هناك تحدي كبير بين المكالمات عبر التطبيق (استهلاك بيانات ربما في الغالب ليست من الشركة صاحبة رقم الشريحة) وبين المكالمات العادية التي تكون عبر شبكة الاتصالات والمدفوعة من الرصيد المالي او خصما على الدقائق المشتراة سلفا (Airtime). فرق التسعير بين خدمات البيانات والتي قد تكون مقدمة من جهة غير الشركة صاحبة الشريحة، وبين خدمات الاتصال العادي هو ما يدفع المستهلك للتفضيل واختيار الاتصال الاقل تكلفة. في حالة السودان وبعد نقصان عدد الجمهور الذي يستعمل خدمات الاتصالات داخل السودان مع خروج عدد كبير من ابراج ومحطات خدمة الاتصالات في الحرب الحالية، أصبح من الواضح وجود انخفاض كبير في حجم الايرادات لشركات الاتصالات وللضرائب، مما دفع منظم الاتصالات والبريد باستصدار القرار الذي يأمل أن يزيد من العوائد. لكن، وبحسب السيناريوهات المتوقعة والتي لها سوابق في المنطقة عربيا وافريقيا فإن هناك شكوك كبيرة من جدوى القرار اقتصاديا، إذ ربما قاد إلى تناقص في استخدام الاتصالات في المجمل، مما يعني نتيجة عكسية في نهاية المطاف. وفي العادة يتم تطبيق القرارات غير مضمومة العوائد بحذر شديد، خصوصا مع حقيقة وجود منافس قوي خارج السيطرة، وهو الانترنت الفضائي كما في حال شركة ستارلنك.
كيف يتم الحجب والتحكم؟
يقوم الحظر تقنيا على حجب خاصية اجراء المكالمات الصوتية عبر تطبيق معين مثل واتساب وذلك إذا كان جهاز المتصل مكشوفا لشركة الاتصالات، ومكشوف معه ماهية التطبيق الذي يستخدم البيانات، بل وماهية الخدمة التي هي داخل ما يقدمه التطبيق. وبناء على هذه المعطيات يسمح او لا يسمح النظام باستمرار الخدمة، أو أحيانا لا يسمح اصلا بقيام الخدمة مع اظهار رسالة توضح أن هذه الخدمة محجوبة في هذا البلد. ولكن درج الجمهور على استخدام خدمات إخفاء مكان و هوية المتصل عبر الانترنت عن طريق استعمال ما يعرف شعبيا ب (الكاسر) وهي اصطلاح تسرب من الممارسات السابقة في التحايل على (كسر) التشفير الذي كان منتشرا في بعض قنوات التلفزيونات الفضائية التي كان ابرزها في نسخ كأس العالم لكرة القدم عند بيع احتكار البث لشركة معينة هي التي تتولى حماية نفسها بالتشفير، وقصر فك التشفير على الشرائح التي تبيعها بصورة قانونية (الكروت قديما، حاليا صار فقط ادخال كود معين) الأمر الذي دفع البعض الى حيل وطرق (تكسر) التشفير دون الشراء مباشر من الشركة صاحبة الامتياز، ومنها انتشرت برامج الكاسر. والكاسر في حالة الاحتياج لاستخدام خدمة محجوبة او تطبيق محظور هو حل يقوم على خلق قناع يخفي هوية ومكان مستخدم الانترنت ويستبدلها بعناوين أماكن أخرى لا تفرض حظرا ولا تحجب خدمة. وهي تعرف اختصارا ب VPN ، أي الشبكات الافتراضية الخاصة. خدمة VPN أو الكاسر يتم الحصول عليها إما بشراء تطبيق يقدمها وفق رسوم شهرية (سعر شهري مختلف، ولكن يمكن أن يكون في حوالي 10 دولارات شهريا وهذا رقم كبير بالنسبة لمستهلك في السودان). كما يمكن الحصول على الخدمة لحظيا من بعض المواقع التي تقول ان الخدمة مجانا، ولكنها تجبرك على مشاهدة اعلان تجاري لجهة ما، ثم يمكنك بعدها التمتع بالخدمة لدقائق محددة. هذه الخدمة تبدو مجانية، ولكنها في حقيقة الأمر مكلفة للمستهلك لأنه سوف يستهلك حجم بيانات أكبر، وذلك للزيادة الناتجة من مشاهدة الاعلانات المفروضة عليه. الشركة التي تقدم الكاسر مجانا تكسب من اعلانات الشركات عندها، وتكسب ايضا لأنها تخلق طلبا على مواقعها عبر الاعلانات المفروضة على المستهلك، وتكسب ايضا كونها تتحكم في مسار حركة البيانات عبرها. هذا يشبه ما يحصل في ساحة مواقع التواصل الاجتماعي والتي ربما بجني البعض منها عوائد نتيجة لعدد الزيارات والسمع والتنزيل للمحتوى الموجود للشخص على منصة التواصل الاجتماعي (تيك توك مثال جيد، والي حد ما يوتيوب).
كما نرى فالأمر في المجمل صراع تجاري بأدوات تقنية. لكن هذا لا يمنع من وجود اسباب اخرى لتخصيص واتساب بالحظر (حتى الان)، وهي أن مستخدم واتساب يتمتع بتشفير من الطرف الى الطرف (أي أن شركة الاتصالات نفسها لا تستطيع لا الرصد ولا الاستماع للمحادثات ولا حتى قراءة الرسائل). لا يخفى أن الرصد والتصنت والتتبع وامكانية الحصول على كامل تفاصيل مراسلات شخص ومكانه متاحة في حال كان الشخص يستعمل نظام الاتصالات العادي. ولذلك فهي منجم معلومات للأنظمة القمعية التي لا تقيم وزنا لحماية الخصوصية أو امثالها من المفاهيم. عليه ومع توفر نفس خدمات الاتصال والتراسل عبر تطبيقات مثل واتساب، ولكن بتشفير كامل يحجب حتى عن شركة الاتصالات معرفتها لأي تفاصيل، ومع تزايد امكانية الرصد والتتبع في الظروف الأمنية المعروفة، يصبح خيار استخدام تطبيقات مثل واتساب أكثر أمانا للمستخدم، وتفقد الشركات والانظمة القمعية كل مناجم المعلومات عنه. ولذلك فإن سلوك طرق المحادثات والمراسلات عبر التطبيقات قد مثل تحديا ضخما لكثير من الدول والأنظمة التي كانت تعتمد في فرض رقابتها على بنية الاتصالات العادية. ارغام الناس او دفعهم باتجاه استعمال المكالمات العادية يزيد من مساحات المناجم المذكورة ويضيق بعض الشي او يجعل كلفة التخفي أعلى على المستخدم.
هناك تجارب اقليمية لمسألة فرض رسوم على المكالمات التي تجري عبر التطبيقات وتستعمل البيانات كبديل للمكالمات العادية. وتختلف ردة الفعل الشعبية حسب طبيعة الأنظمة الحاكمة، ولكن في النهاية تفشل مثل هذه الممارسات في تحقيق عوائد معتبرة. ففي تجربة لبنان، التي اعلنت عنها الحكومة في اكتوبر 2019، قامت احتجاجات شعبية فور الاعلان وتراجعت الحكومة في ظرف ساعات عن نيتها لتطبيق رسم حكومي على المكالمات عبر التطبيقات. يذهب الكثيرون إلى أن تلك الواقعة كانت القشة التي قصمت ظهر الحكومة التي استقالت في نفس الشهر. خيار الاحتجاجات الشعبية غير وارد في حال السودان اليوم نظرا للحرب الدائرة وما تفرضه من واقع ليس فيه أي مساحة لاحتجاجات شعبية. هناك أيضا تجربة يوغندا في محاولة خلق مورد للدولة من خلال فرض رسوم على استعمال التطبيقات في يوليو 2018، ولكن حدثت نتائج عكسية مما جعل الحكومة تتراجع وتفرض ضريبة بديلة عامة على استخدام.
المصدر: صحيفة الراكوبة