تشهد مدينة الفاشر أوضاعًا إنسانية بالغة السوء، في ظل حصار خانق وانهيار شبه كامل للأنشطة الاقتصادية، حيث تحولت الأسواق إلى مشهد يومي لمعاناة المواطنين، وسط ارتفاع جنوني في أسعار المواد الغذائية، وشح حاد في الضروريات الأساسية للحياة.
الفاشر: التغيير
في جولة داخل سوق المدينة، تظهر الحقيقة المؤلمة؛ أسعار المواد الأساسية بلغت مستويات غير مسبوقة، تُعبّر عن حجم الأزمة التي تعيشها المدينة وسكانها. المواطنون، بعضهم بالدموع في العيون، يتنقلون بين المحال والطرقات في محاولة لتأمين القليل من الطعام لعائلاتهم، في وقت لم يعد فيه الجنيه السوداني يحمل أي قيمة حقيقية في وجه الغلاء الفاحش.
بحسب شهادات حية من داخل السوق، سجلت أسعار الحبوب والمواد الأساسية ارتفاعًا جنونيًا؛ إذ بلغ سعر كورة الدخن 125 ألف جنيه، وكورة (الماريق) 120 ألف جنيه، وكورة العدسية 110 آلاف جنيه، بينما بلغ سعر كورة الأمباز (علف الحيوانات) مليون جنيه سوداني، وهو رقم صادم يعكس الندرة والضغط المعيشي الهائل، أما كورة السمسم فبلغت 80 ألف جنيه.
غلاء فاحش
السلع الاستهلاكية الأخرى لم تكن أفضل حالًا؛ حيث وصل سعر كيلو السكر والعدس والأرز إلى 75 ألف جنيه لكل منها، فيما بلغ كيلو اللبن 140 ألف جنيه. أسعار السلع المجففة كذلك ارتفعت بشكل غير مسبوق، إذ بلغ رطل البلح والويكة الناشفة 50 ألف جنيه، ورطل الصلصة الناشفة 12 ألفًا، ورطل الملح 15 ألفًا، بينما بلغ رطل البن 65 ألف جنيه.
أما الزيوت والمنظفات، فسجلت بدورها ارتفاعًا كبيرًا؛ زجاجة الزيت تباع بـ80 ألف جنيه، وصابون الغسيل بـ19 ألفًا. وفيما يخص اللحوم، فقد بلغ كيلو اللحم الشرموط 70 ألف جنيه، واللحم الضأن بنفس السعر، بينما بلغ كيلو لحم العجالي أو البقر 60 ألفًا. حتى معجون الأسنان، مثل “أب وردة”، وصل سعره إلى 20 ألف جنيه.

الأمباز بدل الدقيق
الأهالي يؤكدون أن “الطواحين” توقفت عن طحن الدقيق بسبب نفاد القمح، واستبدلت ذلك بطحن الأمباز (علف الحيوانات) وهو منتج مخصص في الأصل لتغذية الماشية وحتى هذا أصبح يُباع بأسعار فلكية، ما يعكس حالة الجوع والفقر المدقع الذي يضرب المدينة.
“والله على ما أقول شهيد، أنا رأيت الطواحين بطحنوا أمباز بحبة عيش”، هكذا وصف أحد المواطنين المشهد، مضيفًا: “لم نعد نجد خبزًا، ولا حليبًا للأطفال، ولا دواءً لكبار السن”.
المدينة التي تعاني من عزلة شبه تامة بسبب الصراع المستمر وانقطاع الطرق، تعيش وضعًا أقرب للمجاعة، وسط غياب كامل للمنظمات الإنسانية، وانعدام الإمدادات الطبية والغذائية، وتوقف الخدمات الأساسية من ماء وكهرباء واتصالات بشكل متكرر.
نداء إنساني عاجل
كتب نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي: الفاشر اليوم ليست مجرد مدينة تعاني من الغلاء، بل مدينة محاصرة يئن سكانها من الجوع والعطش والخوف. الأطفال بلا حليب، الأسر بلا قوت، والمستشفيات بلا دواء. الحاجة لتدخل إنساني عاجل أصبحت أكثر من ضرورة، لإنقاذ ما يمكن إنقاذه قبل أن تتحول الأزمة إلى كارثة جماعية مفتوحة.
سامي مصطفى، أحد أبناء المدينة، كتب من قلب السوق: “لا حول ولا قوة إلا بالله، لطفك يا رب، دعواتكم لإنسان الفاشر”. دعوته تختصر حال مدينة تنزف في صمت، وتنتظر من يسمع صوت استغاثتها.
المصدر: صحيفة التغيير