يهتم كتاب جديد باللغة الإنجليزية بتجارب أنثروبولوجية؛ من بينها تجربة عالم الإناسة المغربي البارز عبد الله حمودي، الذي ارتبط اسمه بجامعة برينستون بالولايات المتحدة الأمريكية، وبأطروحات من أبرزها “الشيخ والمريد”.
الكتاب الذي تصدره “كتب بيرجان”، المنشورات الأكاديمية المتخصصة في العلوم الإنسانية، الصادرة بين نيويورك وأكسفورد، يهتم بجهود من أجل “نزع الاستعمار عن تاريخ الأنثروبولوجيا، وإتاحة مجال أعدل للتقاليد المهمشة”.
ويرصد هذا المؤلف، المعنون بـ”الأنثروبولوجيا الاجتماعية في العالم العربي.. التاريخ المجزأ لتخصص غير مريح”، تاريخ وإرساء الأنثروبولوجيا بالمغارب والمشرق والخليج، انطلاقا من وجهات نظر ومقاربات معرفية متعددة. ويروم هذا الكتاب إعادة توجيه الاهتمام الأنثروبولوجي للدراسات التي أُجريت بالمنطقة، وخاصة وضع إرساء المعرفة الأنثروبولوجية وتسليط الضوء على الدراسات الأنثروبولوجية بلغات أخرى من غير الإنجليزية.
ومن بين ما يهتم به الكتاب وضع الأنثروبولوجيا في المغرب، ويشارك في دراساته باحثون مغاربة منهم فاضمة أيت موس وحسن رشيق ومحمد سموني، وأعده كل من عبد الله العجمي ودانييل كانتيني وإيرين مافي وعماد مليتي.
تجدر الإشارة إلى أن عبد الله حمودي سبق أن سجل أن هاجس مساره هو “إيجاد بديل معرفي”، في وقت “لم يكن أحد، بمن فيهم طلال أسد أو إدوارد سعيد الذي أُجِلّ خدماته في النقد الراديكالي للاستشراق التي حررتنا من التحيز والتحقير والغطرسة… لكن لم يكن له جواب حول ما الذي يمكنني القيام به بالرصيد الإثنوغرافي (الاستعماري)؟”.
ويزيد الأنثروبولوجي: “كنت مهوسا بفكرة أن على مجتمعي خلق معرفة جديدة، تنبع منه، دون تحيز، وبحوار مع ما يأتي من الخارج. وما الأنثروبولوجيا التي يجب أن تُدرَّس وتكون نافعة؟ وكانت الأنثروبولوجيا والإثنوغرافيا في العمق، بالنسبة لي، هي أن يدير المغاربة والمغربيات وجوههم ويروا واقعهم بنظرة تشخيصية ونقدية ومستشرفة في المستقبل، ويكون هذا في حد ذاته قطيعة”.
ويقدر حمودي أن “من أدوات التحرر من الاستعمار وخلق البديل ألا نبقى في النقد الكولونيالي بمعنى تشخيص الإطار العام، ثم استخراج أن تلك المعرفة لا تصلح؛ بل يجب البدء من ذلك الواقع الذي تداخلت فيه الممارسات الكولونيالية والممارسات المغربية والتاريخية وخلقت شيئا جديدا، نشخصه ونُنَظّر له، ثم نرتقي لما هو إطار عام”.
ومشروع “الأنثروبولوجيا العربية”، كما بسط حمودي معالمه في كتاب “المسافة والتحليل”، يعني أنثروبولوجيا مكتوبة بالعربية، تتحدى الهيمنة الغربية، وتعنى بالمجتمعات التي تجمعها هذه اللغة، وتطرح بديلا يبحث بشكل مقارن في الإنتاجات الأجنبية حول المنطقة المغاربية والعربية، خاصة الأنثروبولوجيا الفرنسية والإنجليزية، ورؤية باحثي المنطقة ومثقفيها، عبر التاريخ، لأنفسهم من أجل محاولة فهم جديد لا تقتصر الكتابة حوله على اللغة العربية، بل تمتد إلى لغات أخرى، أهمها الإنجليزية.
وقد أعلنت منشورات جامعة شيكاغو الأمريكية، منذ سنتين، صدور النسخة الإنجليزية لمشروع الأنثروبولوجي عبد الله حمودي، المعنون بـ”المسافة والتحليل.. في صياغة أنثروبولوجيا عربية”، علما أن جزأه الثاني قد صدر بعد ذلك باللغة العربية بعنوان “ما قبل الحداثة.. اجتهادات في تصور علوم اجتماعية عربية”.
المصدر: هسبريس