قال خبراء مغاربة في مجال البيئة والتنمية المستدامة إن الرأي الاستشاري الأخير لمحكمة العدل الدولية بشأن تغير المناخ، الذي حمّل الدول الصناعية التزامات قانونية لخفض انبعاثات الغازات الدفيئة ومنع الأضرار المناخية، “بمثابة إطار قانوني منصف، يمكن أن يستند إليه المغرب، على غرار كافة الدول النامية التي طالتها مذبحة التغيرات المناخية، للمطالبة بتعويضات تموّل مشاريع صموده وتكيفه”.
وعدّ خبراء، في حديثهم لهسبريس، أن “الجهات الحكومية المعنية مدعوة إلى التوسل بهذا الرأي لإعداد مذكرات ترافعية تفصّل في حجم الأضرار التي لحقت المملكة جراء التغيرات المناخية، أساسا نتيجة الجفاف والفيضانات الكارثية والحرائق، والتعويضات المستحقة عنها”.
وأصدرت محكمة العدل الدولية، يوم الثلاثاء الماضي، رأيا استشاريا حمّلت فيه الدول، خصوصا الغنية والصناعية، “التزامات قانونية ملزمة بموجب القانون الدولي لخفض انبعاثات غازات الدفيئة ومنع الأضرار المناخية، وإلا فإنها قد تُحمّل مسؤولية دولية وتطالب بتعويضات”.
يمنح هذا الرأي كما أكدت قراءة الأستاذ الجامعي المستشار القانوني العربي عبد الباسط، “الدول النامية والدول الجزرية الصغيرة أداة قانونية لمطالبة الملوثين بتعويضات، ومحاسبتهم قانونيا على الأضرار المناخية”.
ووفقا لمنشور على صفحته في “لينكدن”، فإن عواقب الإخلال بهذه الالتزامات تتمثل في توفر الضحايا، بمن فيهم الدول الضعيفة والأجيال القادمة، على إمكانية مطالبة الدول المعنية بـ”إعادة الوضع إلى ما كان عليه”، وكذا “تعويضات مالية”، فضلا عن “جبر الضرر المعنوي”.
إطار قانوني
وضع المصطفى العيسات، خبير في مجال البيئة والتتمية المستدامة، الرأي الاستشاري الجديد لمحكمة العدل الدولية “في إطار العدالة المناخية”، موضحا أن هذا الرأي “ينصف الدول النامية غير المتسببة في انبعاثات أوكسيد الكربون، التي تتعرّض لكوارث تؤثر على رأسمالها البشري وتنميتها واقتصادها”.
وقال العيسات، في تصريح لهسبريس، إن “الفيضانات خلّفت آلاف الضحايا في دول شمال إفريقيا وإسبانيا وعديد من الدول النامية، وتضررت كذلك مساحات واسعة من أراضيها الزراعية بفعل الجفاف، وغدت عرضة للتنوع البيولوجي”، مردفا أن “حجم الضرر كان لا بد أن يستوجب تعويضات من طرف الدول الكبرى، التي مازالت للأسف تتنصل من مسؤوليتها، كما الحال بالنسبة للولايات المتحدة التي انسحبت من اتفاقية باريس للمناخ”.
واعتبر الخبير البيئي ذاته أن “هذا الرأي الاستشاري بمثابة إطار قانوني للترافع وإلزام الدول الغنية بالتعويضات عن تغيرات المناخ، وضخ ما التزمت به من تمويلات لصندوق المناخ المخصص للتصدي لتداعيات هذه التغيرات”.
وفي هذا الصدد، شدد العيسات على أن “المغرب يتعيّن عليه أن يكون يقظا على هذا المستوى ويستثمر هذا الرأي الاستشاري الجديد لمحكمة العدل الدولية؛ فهو من بين الدول الأكثر عرضة للتغيرات المناخية”.
وقال موضحا: “نرى اليوم إنفاقا ماليا مهما على تدبير الثروة المائية وتعزيزها في مواجهة الجفاف المعمّر، موازاة مع البحث عن تمويلات من أجل تحلية مياه البحر”، مضيفا أن “هذا يشكل عبئا على الاقتصاد الوطني”، وبالتالي، “تبقى البلاد مطالبة بالحصول على التمويلات الكفيلة بتحقيق الصمود والتغيرات المناخية القاتلة”.
مذكرة ترافعية
قال مصطفى برامل، خبير بيئي رئيس جمعية المنارات الإيكولوجية، إن “هذا الرأي الاستشاري سوف يضع حدا للصراع حول هوية الملوث والمتضرر والمستفيد من الانبعاثات الغازية المسببة للاحتباس الحراري وتغيرات المناخ، التي خلّفت آثارا وخيمة على البنية التحتية في الدول الفقيرة والهشة وساكنة الجزر النائية التي يتربص بها خطر الغمر الكلي بالمياه”.
وأضاف برامل، في حديث لهسبريس، أن “هذا الرأي سوف يمكّن الدول المتضررة من إعداد مذكرات ترافعية تبرز حجم الضرر جراء التغيرات المناخية، والتعويضات اللازمة عنه الكفيلة بتحقيق التنمية المنشودة”، مفيدا بأن “في مقدم هذه الدول، تلك الواقعة في جزر المحيط الهادي والبحر الأبيض المتوسط وشمال إفريقيا، وعلى رأسها المغرب”.
وشدد رئيس جمعية المنارات الإيكولوجية على “إمكانية استعانة المغرب كما مختلف الدول المتضررة بالرأي الاستشاري المذكور في بلورة هذه المذكرة الترافعية، مع إبرازه ما تسببت فيه التغيرات المناخية والفيضانات وتلوث المياه البحرية”، بغرض “الحصول على تعويضات تسهم في تمويل مشاريع تحلية مياه البحر وتنقيتها من النفايات، ودعم التنوع البيولوجي ومشاريع توفير المياه الصالحة للشر”.
وأكد برامل أن “هذا الرأي الاستشاري سوف يكون بمثابة وسيلة لتحديد الدول المتضررة وطريقة تكفير الدول الملوثّة عن خطاياها المناخية تجاهها، والمشاريع لتي يمكن أن تدعمها في هذا الصدد”.
المصدر: هسبريس