مع استمرار حرب السودان و دخولها العام الثالث اضطر عدد كبير من السودانيين إلى الفرار خارج البلاد بحثا عن الأمان، وتعد يوغندا من أبرز الدول التي استضافت مئات الآلاف من هولاء اللاجئين الذين ما زالوا يحاولون بدء حياة جديدة بعيدا عن ويلات القتال المستمر بين الجيش و الدعم السريع .
التغيير فتح الرحمن حمودة
و في العاصمة الأوغندية كمبالا كانت قد شهدت بعض التجمعات السودانية أحداثا مؤسفة في فترات متباعدة تمثلت في مواجهات بين عدد من الشباب المنتمين إلى أطراف الإقتتال في البلاد بدوافع سياسية و قبلية حيث يرى ناشطون أن هذه الخلافات لا تعكس سوى امتداد للتوترات التي تركتها الحرب ما يهدد بتأثيرات سلبية على حياة اللائجين و يعيق جهود عملية التعايش السلمي هناك.
و على الرغم من ذلك يتفق عدد من المنتمين إلى أطراف الإقتتال على أنه لا توجد أي مشاكل بينهم في أوغندا و يرون أنه ما يحدث من مشكلات لا يرتبط بالمؤسسات أو العمق السياسي داخل البلاد بل يعود إلى استفزازت فردية تصدر غالبا من شباب مراهقين و متأثرين جاؤوا مباشرة من مناطق النزاع إلى كمبالا دون المرور بتجارب تهذب سلوكهم و لهذا تقع مثل هذه الظواهر.
و في هذا الصدد أرجع الناشط الشاب عبدالرحمن محمد، أسباب هذه المشكلات إلى الخلافات القائمة على أساس سياسي من جهة و طابع قبلي من جهة آخرى و أضاف في حديثه لـ «التغيير» أنهم كانوا قد لاحظوا وجود مثل هذه التوترات بين اللاجئين حيث أصبحوا ينقسمون إلى تكتلات على أسس مختلفة، و قال و هو ما يؤثر سلبا على التعايش و الحياة اليومية للائجين في المنفى.
و أشار عبدالرحمن إلى أن استمرار الحرب أدى إلى بقاء هذه الخلافات حيث ما زال الكثير من الناس يحملون العداء و الغبن، موضحا أن القوى السياسية مطالبة بخطاب يوحد الصفوف، مبينا أن ضعف الإعلام جعل صعوبة إيصال الرسائل الإيجابية بين اللاجئين .
بينما قال الناشط أنيس منصور إن مظاهر الكراهية في المنافي هي إمتداد لما يحدث بالداخل و يرى بحسب حديثه لـ «التغيير» أن التعبئة السياسية هناك أدت إلى اصطفافات جديدة في اوغندا موضحا بأن الإنقسامات تؤثر على الحياة اليومية في الأحياء و الأسواق، و أماكن السكن محذرا من استمرار هذه الظواهر قد يدفع الحكومة الأوغندية لاتخاذ إجراءات قانونية لحماية أمنها القومي و هو ما يضر بمصالح اللائجين .
العنف
و أضاف أنيس إن مظاهر العنف المفرط غير موجودة بشكل كبير و لكن عدم إلتزام البعض بالقوانين يضر باللاجئين المسالمين و أشار إلى أن القيادات السياسية ضعيفة و غير غادرة على تقديم الحلول مشددا على ضرورة بناء مجتمع سوداني متماسك، و واع يقوده شباب فاعل حتى لا تتحول الخلافات الحالية إلى عقبة أمام إعادة بناء السودان ما بعد الحرب .
أما الناشطة النسوية يسراء النيل تقول لـ «التغيير» إن انتقال الكراهية و الاستقطاب من الداخل السوداني إلى الشتات ليس امراً بجديد غير أنه تفاقم بشكل واضح عقب إندلاع الحرب لأن السودانيون في اللجوء لا يحملون فقط معانتهم و آلامهم بل إيضا انقسامات الداخل .
و أعتبرت أن غياب الدولة كعامل أساسي يتصارع عليه أطراف الاقتتال إلى جانب ضغوط بيئة اللجوء جميعها أسباب تولد توترات تنعكس في مثل هذه الظواهر، و نورت إلى أن وسائل التواصل الإجتماعي أيضا تسهم في تعزيز هذه الصراعات من خلال استمرار الخطابات التحريضية و خطابات الكراهية التي يتعرض لها السودانيون في المنافي بشكل يومي .
و قال الباحث و المهتم بقضايا السلام أبوهريرة عبدالرحمن، إن ظاهرة إنتقال الكراهية القبلية و السياسية من السودان إلى دول اللجوء تمثل إنعكاسا معقدا لاستمرار تأثير الصراعات الداخلية حتى بعد الخروج من البلاد و أوضح في حديثه لـ «التغيير» أن الذاكرة الجمعية المثقلة بتاريخية الصراعات و صدمات الماضي تشكل وعي اللاجئين و تصوراتهم بينما تعيد البنى الاجتماعية التقليدية إنتاج نفسها بين اللاجئين من خلال التجمعات المنعزلة ما يعزز الإنقسام بدل الإندماج .
فيما قال الصحفي خليفة كوشيب إن حالة التوتر و الشحن النفسي التي يعيشها السودانيون في المهجر هي انعكاس طبيعي لإرث الحرب و ما خلفته من أحقاد و خطابات كراهية رسخت لمفهوم الإنتقام و التشفي من الآخر و يؤكد في حديثه لـ «التغيير» ل ” أن كثير من المشكلات تنشأ من مواقف عابرة مثل كلمة أو صورة على الجدران أو حتى أغنية في مكان عام ما يؤدي إلى مشاجرات و عنف غير مبرر و يعكس حجم التدهور النفسي و الإجتماعي خاصة بين أطفال الحرب و المراهقين .
و لكن يرى الصحفي و المحلل السياسي محمد عبدالعزيز إن الحرب في السودان أفرزت أربع ظواهر خطيرة تهدد وحدة الدولة و تزيد من تعقيد أزمتها و من بينها خطاب الكراهية و قال في حديثه لـ «التغيير» إن هذه الظواهر امتدت إلى المنافي كما يتجلى ذلك في أوغندا، لآفتاً إلى أن منصات التواصل الإجتماعي و التجمعات المجتمعية تحولت إلى ساحات للاستقطاب و تبادل الإتهامات مشيراً إلى أن هذه التوترات ناتجة عن تراكمات تاريخية ما يسهم في إعادة إنتاج العنف حتى خارج البلاد.
و تنظر يسرا إلى أن هناك عدة عوامل تعيق جهود المصالحة و التعافي الاجتماعي بين اللاجئين السودانيين في مقدمتها غياب القيادة المجتمعية التي يمكن أن تلتف حولها الأطراف المختلفة و تؤكد أن إنعدام الثقة المتبادلة بين المجموعات الأثنية نتيجة تاريخ طويل من الظلم و التمييز يجعل إي دعوة للمصالحة تبدو غير واقعية خاصة أن بعض الأطراف ترى أن الحقوق تنتزع بقوة السلاح .
و فيما يتعلق بالحلول شدد أبو هريرة على أن المجتمع المدني و المبادرات الشبابية يمكن أن تلعب دورا محوريا في مواجهة الاستقطاب و ذلك عبر اطلاق حوارات محلية و انشطة تشاركية تجمع بين الأفراد من مختلف الخلفيات، مشيرا إلى ضرورة توظيف الفنون و الثقافة لنشر قيم التسامح مؤكدا على ضرورة الضغط على القيادات للتخلي عن الخطابات المستقطبة و فتح المجال أمام رؤية إنسانية مشتركة توحد الجميع حول قيم السلام و العيش المشترك .
و إلى جانب الحلول ينوه محمد عبد العزيز، إلى دور المنظمات السودانية في المنافي باعتبارها خط الدفاع الأول ضد خطاب الكراهية من خلال تنظيم حوارات مجتمعية و نشر التوعية إلى جانب توفير مساحات آمنة للتلاقي تعزز التماسك الإجتماعي مضيفا بأن كبح امتداد الصراع إلى المنافي مسؤولية جماعية تتطلب تضامنا دوليا رشيدا يبدا من الداخل السوداني و لا ينتهي عند حدوده.
المصدر: صحيفة التغيير