أمد/ في غزة، لم تعد الحكايات تنتهي بالموت…
بل تبدأ به!
لم تكن قصة “امرأة تبيع هاتفها لتكفّن زوجها” مجرّد حادثة عابرة…
بل هي مرآة لواقع يومي تتكرر فيه المأساة بصور مختلفة.
الفقر هنا لا يُطرق كباب، بل يصفع الوجوه بلا رحمة،
يضرب الكرامة، ويخلخل المعنى البسيط للبقاء.
هذه المرأة، وقفت بثوب الحداد تبيع آخر ما تملك من حياة هاتفها لتشتري قطعة قماش تلف بها جسد من كان لها وطنًا.
لكن غيرها كثيرات…
نساء وجدن أنفسهن في ممرات العجز،
فلم يجدن هاتفًا ولا من يقايض الألم،
فاتّخذن طريقًا آخر…
طريقًا محفوفًا بالقهر والانكسار،
يسلكنه بصمت موجع لا يُروى…
طريقًا لا يتطلب تصريح دفن، بل يتطلب أن تموت كل يوم وأنتِ على قيد الحياة.
في غزة…
نبيع ما تبقى منا، لنكمل دفن من ماتوا فينا.
في غزة، حيث تُقايَض الكرامة بالألم، وقفت امرأة بثياب الحداد أمام ثلاجة الموتى، لا تبكي فقط، بل تفاوض.
بيدٍ مرتجفة، رفعت هاتفها المحمول عاليًا وقالت:
“بدي أبيعه… بدي أكفّن جوزي.”
لم تكن تسوّق سلعة، بل كانت تسعّر الحزن، وتحاول أن تشتري آخر حق لزوجها: كفن نظيف، يليق برجل مات واقفًا، لاجئًا في مدرسة، شهيدًا بلا سلاح.
في حضرة الموت المجاني، لم يبقَ شيء مقدّس.
في غزة، صار الكفن حلمًا، والهاتف سبيلًا لتحقيقه.
أي عالم هذا الذي تُجبر فيه امرأة على بيع هاتفها لتدفن رجلاً أحبّها؟
أي جريمة صامتة تُرتكب كل يوم بحق شعب لا يملك إلا العزة، ولا يُدفن إلا بعد أن يُباع كل ما تبقى له من حياة؟
هكذا هي غزة…
تُشيّع أبناءها بـألم،
وتقايض جراحها بما تبقى من فتات العالم.
كفن على قيد البيع… من يشتري الألم؟»
في غزة، لم تعد المأساة تحتاج إلى وصف، بل إلى صمت العالم ليكون شاهدًا على خزيه.
امرأة بثوب الحداد، تحدّق في ثلاجة الموتى.
لا تسأل عن تصريح دفن، ولا عن توقيع طبيب.
تسأل فقط:
“كم ثمن الكفن؟”
ثم، بكل ما بقي في يدها من دنيا، تمدّ هاتفها المحمول للبيع.
نعم، في غزة، الهاتف لا يُباع ليُشترى بثمنه رغيف،
بل ليُشترى بثمنه كفن رجلٍ قُتل تحت الردم، وظلّ في الانتظار… لأن كرامته لا تُدفن عاريًا.
امرأة تبيع هاتفها… لتشتري الموت لائقًا بزوجها
أيها العالم، هل سمعت هذا من قبل؟
في مدنكم، تباع الهواتف لشراء تذكرة سفر أو فستان أو حقيبة.
أما في غزة، فتُباع لتشتري قطعة قماشٍ بيضاء، تلفّ بها أشلاء من كان بالأمس زوجًا، أبًا، سَندًا.
في غزة، الكفن لم يعد مجانًا.
ولم تعد الجنازة طقسًا دينيًا فقط، بل معركة أخيرة لاسترداد الكرامة.
هذه المرأة، ليست قصة.
ليست مشهدًا تمثيليًا.
هي ضميرٌ جريحٌ يركض في طرقات غزة، يبحث عن كفن، عن تراب، عن قبرٍ لا يُقصف.
نحن شعب نبيع هواتفنا لندفن موتانا!
أيها العالم:
حين تبيع امرأة هاتفها لتكفّن زوجها، فاعلم أن النكسة لم تكن عام 67، بل تحدث كل يوم في 2025!
نحن الذين نكتب عن هذا…
لم نعد نحمل أقلامًا، بل نغمس أصابعنا في الدم ونكتب على جدران الصمت.