حسن عبد الرضي الشيخ
في زمن الغدر والخذلان، حين اشتدت المحن وتداعت علينا الحروب، نهض من تحت ركام الكهنوت شيخ اسمه محمد الأمين إسماعيل، يُطلّ علينا من شاشة تلفزيون الكيزان القذرة، هازئًا وضاحكًا، يتبسم من معاناتنا لأن الله ـ بزعمِه ـ قد انتقم منا.
إنه يصرخ من منبر المسجد، لا ليرفع معنويات الناس، ولا ليبكي لمآسي النازحين والجوعى، بل ليقرأ آيات الله مقطوعة مبتورة، كما يُقطَع نصُّ المسرحية الرديئة، ليُرضي جمهور السلطان ويُسوِّق فتواه المسمومة في سوق الفتنة والدم.
أسمعه يقرأ:
“وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا… فقاتلوا التي تبغي”
فيمحو روح النص، ويطمس مفتاحه، ويقفز عن قوله تعالى:
“فأصلحوا بينهما”، تلك التي هي جوهر الرسالة وروح القرآن!
أي شيخ هذا الذي يخون كلام الله ليخدم جماعة؟
أي “داعية” يقتل معنى الصلح، ويترك دم المساكين ينزف؟
أم أنه موظف في كتيبة الإعلام الحربي لجيش الكيزان؟
شيخ لا يخجل من “تكييف” القرآن ليناسب مقام البرهان ومجلسه السيادي، ويصمت عن جرائم الحرب، ويصمت عن “الشفشفة” لأنه يخشى بأس المشفشفين.
شيخ لا ينطق بكلمة حق عن ملايين الجوعى، ولا عن أطنان الإغاثة المنهوبة، ولا عن نازحي القضارف الذين تنعدم عليهم “اللقيمة”، ولا يرى الخيام المتهاوية فوق رؤوس الأمهات الحوامل وأطفالهن المرضى.
شيخ لم يسمع بخطبة المكاشفي أبو عمر، عارف بالله من أصحاب القلوب البيضاء والكلمة الحنينة، عندما يتحدث عن “اللقيمة والهديمة”، صاحب مقولة: (كان ما عجيني، مين بجيني).
لكنّ محمد الأمين إسماعيل اختار أن يجهر بكلمة سوء، لا ليدعو إلى الله، بل ليُجامل الطغاة على حساب الجياع.
من هذا المنبر، كان يبكي وينتحب على دكتور عمر القراي، ويتهمه زورًا بأنه يُلغي القرآن ويُصوّر الذات العلية!
بينما يعلم كل من قرأ حرفًا، أن القراي لم يُلغِ آية، بل بنى مناهجًا على القرآن، لا على الأوهام.
فأين أنت من قول الحق، أيها الشيخ الذي “يجعر” أمام الكاميرا ويصمت أمام الفجور؟
أين كنت عندما زار البرهان شيخًا فاجرًا في الدندر وأكرمه بالحج؟
لمَ لم نسمع منك تنديدًا أو كلمة لوم على من يُسهِّل للمنكر طريق البيت الحرام، بينما يُمنع الفقراء من زاده ولباسه وسلامه؟
ثم تأتي اليوم، بكل وقاحة، وتقول إن الشعب السوداني هو من أشعل الحرب لأنه “ابتعد عن الدين”!
عن أي دين تتحدث أيها الكذّاب الأشر؟
عن دين يبرر لجنرالات الكارثة قصف المدنيين؟
عن دين لا يجرؤ فيه “العالِم” على لوم الظالم لأنه يخاف على راتبه أو على بطاقة الحج؟
كفى استخفافًا بعقول الناس!
الشعب السوداني ليس هو من بدأ الحرب، بل هي عصابة معلومة الأسماء والنيات، صنعت الانقلابات، وزرعت الميليشيات، وها هي تستعين بفتاوى شيوخها لتُشرعن القتل، كما شرعنوا التعذيب والفساد من قبل.
هؤلاء الشيوخ، كما قالت الصحفية الشجاعة رشا عوض، تخصصوا في تغليف الظلم بالمشروعية الدينية.
من لا يقف في صف “الكوز” فهو، عندهم، ضد الله ورسوله!
من لا يبارك الحرب، فهو مارق!
من يبكي على الأطفال المجوَّعين، فهو مشبوه!
إنها فتنة تلبس عباءة الدين، ويتصدرها شيوخ هم أعداء للإنسان، لا يرون في المذابح والمجاعات مأساة، بل عقوبة “إلهية” على من لا يصوّت لصالح الطاغية.
لقد قالها الكواكبي قبل أكثر من قرن:
“الدين بريء من الاستبداد، ولكن المستبدين لا يتورعون عن لبسه”.
فإلى هؤلاء نقول:
كفاكم تزويرًا للدين، وكفاكم قتلًا باسمه!
ونراك في قوة عين تتحدث عن تطبيق الشريعة وسحق (قحط) كما تنطقها أنت استخفافًا،
فهل (قحت) قتلت؟ أم سرقت؟ أم انتهكت؟ أم أنها بدأت الحرب؟
أقولها لك صادقة: (قحت) سوف تعود،
“ولا بد من المدنية وإن طال السفر”،
على قول أستاذنا فتحي الضو عن الديمقراطية.
فأين ستذهب أنت أيها المحرّف؟
إن الله لا يُعبد بظلم المظلوم،
ولا يُرضى عنه بجوع المسكين،
ولا يُنصر بدكّ البيوت على رؤوس سكانها.
فأفيقوا أيها الضلاليون، فإن لعنة المظلوم لا تخطئ،
وسينقلب السحر على الساحر، ولو بعد حين.
المصدر: صحيفة التغيير