عبدالله رزق أبو سيمازة


عبدالله رزق أبو سيمازة

ثمة ملمح، أو أكثر، من التجريب في أعمال المهندس عادل سيد احمد، وفي مجموعاته القصصية الثلاث، بالذات ، يتصل، على الأرجح، ببحثه الدائب عن شكل من الكتابة  أو جنس، يستوعب  طاقته ومهاراته  الإبداعيه، منذ أن اكتشف الكاتب في ذاته، ومنذ كانت الكتابة  حرية، لا ترفا، ولا تقتصر، وظيفيا، على  وعي الواقع، حسب، وانما تتشكل في   نزوع نحو تغييره . فهو لم   يتعرف على نفسه  بعد، بما يكفي لتكريسه  باحثا في التراث، أو كاتب سير، أو روائيا، أو قاصا، كما يتبدى في هذا المقال.

تتسم قصص عادل سيد احمد ، دائما، بالواقعية . مرد ذلك، انه ينتزعها من محيط حياته ومجتمعه، وينتقي أبطالها من أناس، ينحدرون من طبقات فقيرة أو متوسطة الحال، يعرفهم شخصيا، وقد أثروا في حياته، كما يقول، بهذا القدر أو ذاك، فيتعاطف معهم، وهم  يكابدون مشقة الكدح  من أجل الارتقاء لوضع حياتي افضل . يوثق لثلة منهم، كما يقول في مقدمته لمجموعته القصصية الاولى ( رواكيب الخريف )، ثم يعود ليرصد فعل الزمن في  آخرى، في مجموعته الثانية، (ازاميل الزمن).

يمكن النظر إلى المجموعتين، في إطار  وحدة  عضوية، تقتسمان، خلالها، نفس الملامح الفنية، من تقيد بالواقع، بعيدا عن التخييل، مما يجعل النصوص  تخلو من النهايات  المفاجئة ، أو الدرامية الخارقة، دون أن يعني  ذلك خلوها، احيانا، من النهايات الطريفة ، إذ يتبع السرد  مسارا اعتياديا،  لاحداث مألوفة، مما يدفع بالنصوص القصصية، احيانا، نحو ما  يصفه بعض النقاد  بالمأزق السردي.

وتبدو بعض النصوص كتأملات، أو مفارقات، او تتبدى  كمنولوجات تخلو من الصراع، أو حتى  مجرد  عرض حال للشخص الوحيد في النص، أكثر منه سردا مستوفيا اشراطه التقنية  . كما أن عددا غير قليل، من النصوص، تميز  بقصر فائق، حتى أنها  تقل عن الصفحة، في الكتاب . ومع ذلك، تعكس الكثير من قصص المجموعة، الخبرة ونضج التجربة الذي بلغه  المؤلف، منذ مجموعته الأولى . ينحو عادل سيد احمد، بوعي، هذه المرة،  نحو تجربة جديدة في مجموعة ( كلب طيفور )، بكتابة نصوص تجمع بطولاتها بين الإنسان والحيوان، وفق مقدمته للمجموعة . ومع ذلك،  يمكن ملاحظة أن المجموعة قد  تنقسم لاثنين، خيالي وواقعي  . قسمها الاول، الخيالي، الفنتازي، يضم ثلاثة نصوص مستعارة من التراث العالمي، واحد عشر نصا من الاحاجي السودانية، كان يتعين أن تجد مكانها كتاب ( اب لحاية )، للمؤلف، والذي يضم خمسين احجية جمعها من ديار الشايقية  . فقد  يصعب تبرير وجودها تحت مسمى  أو تصنيف  واحد،  كقصص قصيرة، لولا حجة التجريب، سالفة الذكر . وتشغل  القصص التي تختلف عن النصوص السابقة   النصف الثاني، من الكتاب، تحت عنوان، ( كلب طيفور وقصص اخرى )، وقد  تفردت  بخروجها عن القاعدة التي ميزت  سابقاتها  . خلال هذه التوليفة، والتي تشمل نصوصا، وردت في مجموعتي (ازاميل الزمن) و (رواكيب الخريف)، بدا كان المؤلف يسعى  لمزاوجة الواقع، بما هو قيد،   والخيال، بما هو انعتاق بغير حدود، وإلى مصالحتهما، لتجاوز الراهن ، وصولا للحرية . لكن على خلاف مراد الكاتب، فإن الكثير من الحيوانات، التي ترد ضمن السرد، انما تأتي في سياق ثانوي أو هامشي، دون حظ من بطولة . ومع ذلك، يمكن التقدير بأنها، كما هو حال كلب طيفور، تعكس، بصورة أو اخرى، احوال الناس في محيطها وبيئتها، الناس كما تحتشد  بهم القصص، وتهجس بهمومهم.

وفي قصة الحصان ، التي صاغها، فيما يبدو في قالب احجية، يحكيها الحصان، الراوي الوحيد، والبطل غير المنازع في قصته، خلاف غيره من الحيوانات، التي اراد الكاتب اشراكها مع بني البشر في بطولات قصصه، ما يفصح عن ذلك  المنزع،  لتخطي الواقع، عبر اسطورة مبتكرة، لا تخلو من المغزى . ففي هذه الاحجية المستحدثة ، يتمرد الحيوان المستأنس، على شروط حياته، رغم ما فيها من رفاه ، ويتحرر من قيوده ، وينطلق، صوب فضاء الحرية، كانه يرسم لبني البشر خارطة طريق تحررهم، هم، ايضا.

ومع أن (حال كلب طيفور، يشبه حال الحي كله، واهله اجمعين)،  وفق شهادة  نبيل عبدالغني، أحد شخوص القصة، فقد كفت (اسوار البيوت المهلهلة)، على حد تعبيره، عن ستر تجليات  (الفقر والمرض والجهالة . ص ١٧٤) . لكن كلب طيفور، مع ذلك، يحمل  ملمحا من حال عبدالرسول الحريقة، من ناحية، وملمحا من مآل طه الدلاهة، الذي يشبه الزين، بطل رواية الطيب صالح، (عرس الزين )، من ناحية أخرى، حتى أنه، تزوج اجمل بنات الحلة، كما حدث للزين، نفسه . وهو ربما يقدم  نفسه  شفرة لفك الغاز بقية الحيوانات والناس، خلال اتحادهما في المعاناة، واشتراكهما في النزوع المكبوت للخلاص  . تنبض  القصص التي ميزها المؤلف، في مقدمته، بكونها تشذ عن القاعدة التي قرر اتباعها في تأليف  وإعداد قصص المجموعة، باشتراك الحيوان مع الإنسان في بطولتها   بمحاكاة الواقع المعاش، حيث تنفجر،  تحت سقف السكينة التي تغطيها ، التناقضات، لتطرح أسئلة الحياة  في مواجهة الموت، والإخلاص في الحب إزاء الخيانة ، والأنا في احتدام الصراع مع الآخر، وومضة اليقين  وسط عتمة الشك، وجدل الخلاص  قبيل توترات المصير.

المهندس عادل سيد أحمد.. قاصاً «1»! السودانية , اخبار السودان

المصدر: صحيفة التغيير

شاركها.