بسم الله الرحمن الرحيم

م. مصطفى مكي العوض

جاء في تصريحات مولانا أحمد هارون، رئيس المؤتمر الوطني الأخيرة، أنهم يقترحون إجراء استفتاء لاختيار ضابط من الجيش لتولي الحكم. وهو اقتراح يبدو غريبًا عندما يصدر من حزب أو حركة مدنية عُمرها قارب الثمانين عامًا، كان لها مشروعها في إنشاء نظام حكم إسلامي على طريقتها وفهمها، ونجحت فيما سعت إليه بالوصول إلى الحكم لمدة ثلاثين عامًا حُكمًا مطلقًا، تمكّنت خلاله من السيطرة على كامل مفاصل السلطات المدنية والعسكرية وغيرها، لكنها فشلت في تقديم قيادة أو قيادات مدنية، ودائمًا ما كانت تحتاج إلى العسكر كواجهة للحكم. فلماذا؟

تجربة الحركة الإسلامية الأولى في الاستظلال تحت كاب العسكر كانت في فترة نميري بعد المصالحة الوطنية، حيث بنت تحالفًا مع الرئيس نميري، وأنجزت من خلاله ما فشلت فيه وهي في حكم مطلق زمن الإنقاذ. فقد أسّست نفسها اقتصاديًا، وتمكنت من اختراق مفاصل الدولة سواء في الأجهزة التنفيذية أو العسكرية، بل أنجزت مشروعها الأساسي وهو إعلان حكم إسلامي، حيث أعلن نميري تطبيق الشريعة الإسلامية.

وهي خطوة مهمة في تاريخ السودان، وتُعتبر أكبر إنجاز للحركة الإسلامية. فعلى الرغم من أن تجربة نميري في تطبيق الشريعة كانت معيبة في كثير من محتواها وطريقة تطبيقها، إلا أنه صَعُبَ على مَن جاء بعده إبعاد الشريعة من أي دستور للحكم. ولذلك نجد الحركة الإسلامية ممتنة لنميري، على الرغم من أنه زجّ بقيادتها في السجون في أيامه الأخيرة.

لعل التجربة الأهم بالنسبة للحركة الإسلامية هي تجربة الإنقاذ، حيث وصلت إلى الحكم عن طريق الانقلاب العسكري في يونيو ١٩٨٩، وانفردت بحكم مطلق لمدة ثلاثين عامًا. وعلى الرغم من ذلك، صَعُبَ عليها الخروج من عباءة العسكر.

ولعل خطة الترابي كانت تسير حسب ما خطط لها بعشرية تمكين، بعدها يتخلص من العسكر ويطبق ما يشبه تجربة ولاية الفقيه الإيرانية، تكون له فيها الكلمة العليا. لكن وضع تلاميذه أيديهم في يد البشير وطاقمه العسكري، وأبعدوا الترابي بل أدخلوه السجن هو وبقية إخوانه.

بعد ذلك، صَعُبَ عليهم التخلص من البشير وإقناعه بعدم الترشح للرئاسة في ٢٠٢٠ بعد ثلاثين عامًا من الحكم، فأسقطوه عن طريق تحالف تيار من الحركة الإسلامية بقيادات في الجيش لإنجاز انقلاب ١١ أبريل ٢٠١٩. لكن تدخلت عوامل كثيرة أفشلت ما خُطط له.

وجاء تحالف الحركة الإسلامية مع البرهان بعد الحرب الأخيرة، ربما يكون بطعم العلقم لها، فالبرهان من ضمن العوامل التي أفشلت “تغيير منقار النسر” في ٢٠١٩. ولكن ربما أجبرها الزمان على وَدِّ مَن ليس من صادقته بَدًّا…

جاءت تصريحات مولانا أحمد هارون الأخيرة بإجراء استفتاء لاختيار ضابط جيش لحكم البلاد، وعلى الرغم من أنها دعوة غريبة، حيث تبرز الكثير من التساؤلات، ليس أهمها: كيف نختار الضابط الذي نقدمه للاستفتاء؟ هل ستُجرى انتخابات بين ضباط الجيش لاختيار أحدهم، أم سيتم الاختيار بالقرعة؟ جاءت هذه الدعوة لتؤكد أن الحركة الإسلامية ما زالت تحتاج إلى كاب لتستظل به.

على العموم، ما يبدو من دعوة الاستفتاء على ضابط جيش للحكم أقرب لكونها صفقة للبرهان بالسماح لها بالحكم مقابل بقائه حاكمًا.

يُبقى التحدي الأكبر لأكبر حركات الإسلام الحركي والسياسي في العالم هو: كيف تقدم قيادات مدنية للحكم تكون مقبولة للشعب السوداني؟

[email protected]

المصدر: صحيفة الراكوبة

شاركها.