صدى الوطن.. أدم أبكر عيسى

في قلب دارفور، وفي خضم معركة الفاشر، تتجلى أزمة السودان بكل تفاصيلها الفلسفية والأمنية والاستراتيجية. الأمر ليس مجرد صراع عسكري فحسب، بل هو حديث عن هوية دولة ووحدة وطن وبقاء شعب. يكتب التاريخ بمداد من الشجاعة، فصمود القوات المسلحة والقوات المشتركة والمقاومة الشعبية، بعد انتصارهم في أكثر من مئتين وثلاثين معركة، يذكرنا بشجاعة الأبطال الذين يسعون لاستعادة كرامة دولتهم ومنع تقسيم وطنهم.

المؤامرة الصامتة وواقع الحصار:

لكن، كما يحدث دوماً، تواجه تلك البطولة واقعًا قاسيًا؛ حصار خانق. انقطع كل دعم لوجستي، وتعجز السلطات المركزية عن إيصال الضروريات إلى المتضررين. الغداء، الذي يكاد يكون أسهل ما يمكن الحصول عليه، صار حلمًا بعيدًا. بعد ان نفذ الذرة من “التكايا”، لكنهم اضطروا لأكل “امباز” كطعام، مما ينذر بمآل كارثي، إذ يصبح الصمود أمام الجوع واجبًا إنسانيًا. الفاشر تناضل ضد الموت البطيء، والعالم يتابع بصمت، وكأن المعاناة الإنسانية ليست بقدر كافٍ ليتوسط أحد في حلها. وكأن الأمر مخطط له ليقولوا: “إنا نريد إسقاط هذه المدينة”.

هذا الصمت الدولي، والتآمر الذي يشير إلى دعم كبير للميلشيات، يشكل تهديدًا استراتيجيًا. الأمر ليس مقتصرًا على السقوط فقط، بل هو حول القضاء على الدولة السودانية ككل. الظنون الخاطئة بأن سقوط الفاشر سيقود إلى تشكيل حكومة جديدة هي في الحقيقة وصفة لتقسيم البلاد. إنها بداية لمرحلة جديدة من حشد القوى الدولية والإقليمية لخلق حكومة تُدار من الخارج، تحت غطاء دعم عسكري ولوجستي، بغرض إعادة السيطرة على البلاد.

السيناريوهات القاتمة وتجاوز “حكومة نيالا”:

وسط هذه الأحداث، تبرز أنباء عن استعداد الميلشيات لإعلان حكومة جديدة في ولاية جنوب دارفور، متمركزة في نيالا. هذه الخطوة، إذا تحققت، لن تكون مجرد تنازع على السلطة، بل تعكس مشروع تقسيم للبلاد وتحدٍ واضح لسيادة الدولة.

هذا بينما تنشط الدبلوماسية الأمريكية في محاولة لإيجاد تسوية سياسية، على غرار الاتفاقات السابقة. هل يمكن لاتفاق جديد أن يوقف القطار المسرع نحو التقسيم؟ أم أننا مقبلون على سيناريوهات تشبه ليبيا أو الصومال حيث تتفكك الدولة وتصبح ساحة للمعارك الدولية؟

نداء الفعل: “الجوع كافر والصمود واجب”:

رغم كل هذا الظلام، تبقى أصوات أهل الفاشر هي الأقوى. “الجوع كافر والصمود واجب”، لكن الحماس وحده لا يكفي. ما نحتاج إليه هو خطة عملية وحاسمة تُحدث فرقًا في حياة الناس خلال أيام.
شاهدنا اليوم مظاهرات لأجل أهل غزة، مع دعمنا لهم ولأهل فلسطين. لكن لدينا جرح عميق وأزمة تكاد تكون مصيرية تتعلق بالدولة. لم نسمع صوتًا عن معاناة أهل الفاشر. كأن قصتهم كتبت وانتهت بمجرد تحرر الخرطوم. ألا يتألم باقي شعبنا لمعاناة أهل الفاشر؟ أم أنهم لا يستحقون وقفات ونداءات لغوثهم؟

مناشدات المسؤولين، إن لم تُترجم إلى أفعال، ستبقى مجرد كلمات هوائية لا تفيد ولا تضر. يجب على الدولة أن تجد حلاً جذريًا لإنهاء حصار الفاشر واستعادة كرامتها. نضالات أبطال الفاشر تفوق كل تجهيزات خارجية، لكنها بحاجة إلى دعم فعلي.

التحركات يجب أن تتجه نحو الفاشر الآن، قبل أن “تتهاوى العروش تحت أقدام السودانيين”. إنها لحظة الحقيقة التي تحتاج أفعالًا لا أقوالًا، إما لإنقاذ ما يمكن إنقاذه أو الشروع في مواجهة عواقب ستعيد كتابة تاريخ السودان.

[email protected]

https://www.facebook.com/share/p/1AwexTTa5y/

المصدر: صحيفة الراكوبة

شاركها.