عن قصيدة حاجة فيك للشاعر السوداني الراحل هاشم صديق قال قوقل جيمني: قصيدة “حاجة فيك” هي واحدة من أعمق وأجمل النصوص في الشعر الغنائي السوداني، وسرّ جمالها يكمن في غموضها وكونها عصية على التفسير الواحد، مما يفتح الباب لكل مستمع لتأويلها حسب تجربته الخاصة.

تفسير معنى القصيدة:

القصيدة تدور حول “شيء ما” غامض، ساحر، وقوي موجود في كيان المحبوبة (أو الوطن، أو فكرة سامية). هذا “الشيء” لا يمكن تحديده أو الإمساك به، لكن تأثيره طاغٍ ومتناقض.

  1. قوة تفوق الإبداع والقداسة:

    • “تقطع نفس خيل القصايد / تشده أجراس المعابد”: هذا “الشيء” يمتلك قوة تسلب الشاعر قدرته على الوصف (تُخرس خيول الشعر)، وتجعله يقف في حالة من الرهبة والذهول كما لو كان في حضرة مكان مقدس (تبهت أجراس المعبد). إنها قوة تتجاوز الفن والدين.

  2. التناقض الساحر (الفوضى والسلام):

    • “توهتنى .. جننتنى / وبرضو أدتنى السلام”: هذا هو التناقض المحوري في القصيدة. هذا “الشيء” يسبب للشاعر الحيرة والضياع والجنون، وفي نفس اللحظة يمنحه السكينة والسلام الداخلي. إنه يجمع بين أقصى درجات الفوضى وأقصى درجات الطمأنينة.

    • “حاجة زى ماتكون محلّق فى العواصف / فجأة .. تهبط لى السلام”: تكرار لنفس فكرة التناقض، فهو شعور يشبه التحليق في قلب العاصفة ثم الهبوط فجأة إلى بر الأمان.

  3. الوجود المطلق (الشمولية والعمق):

    • “حاجة فى شُرف المداين / وفى غرف كل السفاين / جوّة فى عمق المناجم .. والعيون”: هذا “الشيء” موجود في كل مكان. في الأماكن العامة والظاهرة (شرفات المدن)، وفي الأماكن الخاصة والعابرة (غرف السفن)، وفي أعمق الأماكن الخفية (أعماق المناجم والعيون). إنه يملأ الكون الخارجي والداخلي للشاعر.

  4. محاولة فاشلة للتعريف:

    • “حاجة زى نقر الأصابع / حاجة زى أخبار .. تناغم من جريدة”: يحاول الشاعر تقريب هذا الشعور الغامض من خلال تشبيهات بسيطة ومألوفة، لكنها تظل غير كافية لوصفه بالكامل. هو شيء خفي وجميل كـ”نقر الأصابع”، ومتناغم كخبر سار في جريدة.

  5. الأثر التحويلي الملهم:

    • “لا بتبتدى .. لا بتنتهى / خلتنى أرجع لى القلم / وأتحدى بى الحرف .. الألم”: هذا “الشيء” الخالد هو مصدر إلهام مطلق للشاعر. بسببه، استعاد قدرته على الكتابة، وتحدى ألمه، وتصالح مع الزمن، وتجاوز العقبات.

    • “وأعرف متين أبقى المطر / وأفهم متين أصبح حريق”: الأثر الأعمق هو منحه الحكمة ومعرفة الذات. أصبح يفهم متى يكون رقيقًا ومعطاءً كالمطر، ومتى يكون قويًا وثائرًا كالحريق.

خلاصة المعنى: “حاجة فيك” هي قصيدة عن ذلك السر الإلهي، أو السحر الكامن في شخص أو وطن، الذي لا يمكن وصفه بالكلمات. هو قوة متناقضة تجمع بين الفوضى والنظام، الألم والشفاء، الضياع والإلهام. هذا “الشيء” ليس مجرد شعور عابر، بل هو محرك وجودي يعيد تشكيل الشاعر ويمنحه القوة لمواجهة الحياة وفهم نفسه.

حاجة فيك كلمات

حاجة فيك

تقطع نفس خيل القصايد

تشده أجراس المعابد

توهتني .. جننتني

جننت حرف الكلام

وبرضو أدتني السلام

حاجة في شُرف المداين

وفي غرف كل السفاين

جوّة في عمق المناجم .. والعيون

حاجة زي ما تكون محلّق فى العواصف

فجأة .. تهبط لى السلام

حاجة زى نقر الأصابع

لما ترتاح للموسيقي

حاجة زى أخبار .. تناغم من جريدة

حاجة زي وتر الموانى

لمّا يصدح لى سفينة

حاجة فيك

لا بتبتدي .. لا بتنتهى

خلتني أرجع لي القلم

وأتحدى بي الحرف .. الألم

وأضحك مع الزمن .. العريض

وأنسف متاريس الطريق

وأعرف متين أبقى المطر

وأفهم متين أصبح حريق

.. حاجة فيك..

المصدر: صحيفة الراكوبة

شاركها.