اعتذار مستحق لشباب الثورة: أنتم كنتم على حق!
✍️ بقلم: حسن عبد الرضي الشيخ
في لحظة من لحظات الاعتراف المتأخر، ولعلها لحظة لا تسقط بالتقادم، نكتب اليوم اعتذارًا حقيقيًا وعميقًا من القلب، نوجهه إلى شباب ثورة ديسمبر المجيدة، أولئك الذين حملوا أحلام الوطن على أكتافهم، وهتفوا بما رأوه من عمق رؤيتهم الثاقبة، لا بما أردناه نحن من طمأنينة زائفة وكبرياء مغشوش.
كنا نظن أنفسنا أكثر نضجًا، نمتلئ بماضٍ مجروح ولكن مملوء بتجارب وأوهام عن “الجيش الوطني” و”قوة مؤسسات الدولة”، فكذّبنا عيونهم الصافية، واستهجنا عباراتهم التي لم تكن إلا مرآة لحقيقة مُرّة حاولنا إخفاءها خلف أقنعة الوطنية المنهكة. كنا نغضب من شعاراتهم ونستنكر لغتهم الحادة، لأننا لم نحتمل الحقيقة التي اختصروها بشجاعة نادرة في هتاف:
“يا برهان، ثكناتك أولى… ما في مليشيا بتحكم دولة”
قلنا إنهم يسيئون للمؤسسة العسكرية، ونسينا أن المؤسسة قد تآكلت منذ زمن بعيد، منذ أن تحولت من جيش الوطن إلى جيش السلطة، من حامي الشعب إلى حامي الكرسي، من درع البلاد إلى عصا القمع. لم نسمع لصوتهم عندما هتفوا:
“برهان مالو؟ برهان وسخان، الجابو منو؟ جابوه الكيزان!”
كنا نبتسم بتعالٍ ونقول “يا لهم من سُذّج!”، فإذ بالأيام تكشف عن دقّة بصيرتهم وبؤس وعينا.
كنا نستنكر شعارهم الذي بدا لنا مستفزًا، كافرًا بأقداس الوطنية القديمة:
“معليش معليش… ما عندنا جيش”
فإذا بالحقائق تتكشف في فواجع الحرب الأخيرة، وإذا بالجيش الذي كنا نُعلي من شأنه، يقف عاجزًا، مشلولًا، أو متواطئًا، لا ليدافع عن الشعب، بل ليحمي امتيازات فئة سياسية مريضة، ظلت تسرق الوطن باسم الدين، وباسم الجيش، وباسم الوطن ذاته.
لقد كنا مغفلين بل خدعنا أنفسنا حين ظننا أن “البرهان” قائدٌ وطنيٌّ جاء يفتح الطريق للمدنية. ما كان إلا واجهة باهتة لـ”الكيزان”، ناطقًا باسم ثورة لا يؤمن بها، ومتحدثًا بعبارات الثوار ليطعنهم في ظهورهم. لم يكن يخجل أن يردد شعارات الثورة في قاعات المؤتمرات، ثم يعلن بعدها جهارًا:
“المجد ليس للساتك، المجد للبندقية!”
أي خيانةٍ هذه؟! وأي جيش هذا الذي يرفع سلاحه في وجه من يهتفون باسمه؟!
وثبت، بما لا يدع مجالًا للشك، أن ذلك الجيش لم يكن جيشنا يومًا بل جيش المستعمر حينًا، وجيش الديكتاتور حينًا آخر، وجيش الكيزان طوال عقود. وما كنا نحسبه من قوة، لم يكن إلا زيفًا موروثًا نردده دون تمحيص:
“جيشنا من أقوى الجيوش، عمره مئة عام”
لكن المئة عام لم تكن من المجد، بل من القمع والانقلابات وبيع البلاد باسم السيادة.
وها نحن اليوم، نقر ونعترف:
كنتم على حق، يا شباب الثورة.
كنا نكذب على أنفسنا، وأنتم تصرخون بالحقيقة.
كنا نتلحف الرايات القديمة، وأنتم تمسكون بخيوط المستقبل.
فلتقبلوا منا هذا الاعتذار، وإن جاء متأخرًا.
ولتستمروا أنتم في رسم الطريق، ونحن من ورائكم، متعلمين منكم، خجلين من جُبننا، آملين أن نكفّر عن ذنوب صمتنا.
فالمجد… كل المجد لمن قال: “لا لحكم العسكر… نعم لحكم الشعب”
والعار… كل العار لمن خان الثورة، وتلطخ بدمائها، وسار على أشلاء حلمها النقي.
المصدر: صحيفة التغيير