ويُعد اختيار فيلم “ملكة القطن” إنجازًا كبيرًا للمخرجة سوزانا ميرغني، التي أثبتت مهارتها في صناعة الأفلام وتصوير القصص الإنسانية. يعكس الفيلم رؤية فنية متميزة واهتمامًا بقضايا المجتمع السوداني.

القاهرة: التغيير

اُختير فيلم “ملكة القطن” للمخرجة السودانية سوزانا ميرغني للمشاركة في مهرجان فينيسيا السينمائي الدولي، ضمن فعاليات أسبوع النقاد الذي يُقام على هامش النسخة الـ82 من المهرجان. ويتنافس الفيلم ضمن سبعة أفلام في المسابقة، مما يعكس التقدير العالمي للفيلم السوداني.

تدور أحداث الفيلم في قرية سودانية تعتمد على زراعة القطن، حيث تواجه البطلة نفيسة صراعًا حول مصير القرية ومستقبل أرضها مع وصول رجل أعمال سوداني شاب يحمل بذورًا معدلة وراثيًا.
يتناول الفيلم قضايا بيئية واقتصادية واجتماعية مهمة، مما يجعله فيلمًا ذا قيمة فنية وإنسانية عالية.

مهرجان فينيسيا

يُقام مهرجان فينيسيا السينمائي الدولي في الفترة من 27 أغسطس إلى 6 سبتمبر في فينيسيا، إيطاليا. يتنافس الفيلم على جائزة أسد المستقبل بقيمة 100 ألف دولار، مما يعكس الأهمية الكبيرة التي يوليها المهرجان للأفلام المشاركة.

ويُعد اختيار فيلم “ملكة القطن” إنجازًا كبيرًا للمخرجة سوزانا ميرغني، التي أثبتت مهارتها في صناعة الأفلام وتصوير القصص الإنسانية. يعكس الفيلم رؤية فنية متميزة واهتمامًا بقضايا المجتمع السوداني.

ويتوقع أن يحظى الفيلم باهتمام كبير من قبل النقاد والجمهور في مهرجان فينيسيا السينمائي الدولي.
وسيكون الفيلم فرصة لتعريف العالم بقضايا البيئة والزراعة في السودان، وهو فرصة لتعزيز التبادل الثقافي بين السودان والعالم.

المخرجة سوزانا ميرغني

ويعرض لسوزان ميرغني فيلمها الروائي الطويل الأول “ملكة القطن” (2025)، بعد سنوات من العمل الإبداعي والبحث البصري الذي قادها من أرشيفات الذاكرة النسائية في السودان إلى أروقة كبرى المهرجانات السينمائية في العالم، وعلى رأسها مهرجان فينيسيا السينمائي الدولي في نسخته الـ82، حيث يشارك الفيلم ضمن أسبوع النقاد الدولي، وينافس على جائزة الأسد الذهبي لأفضل عمل أول أو ثانٍ.

صوت نسوي بملامح هجينة

سوزانا ميرغني ليست اسماً جديداً على خارطة السينما المستقلة. فهي كاتبة ومخرجة ومنتجة سودانية روسية، تميزت بأعمالها التي تمزج بين الحكايات المحلية وقضايا المرأة، حيث انطلقت نحو العالمية عبر فيلمها القصير “الست” (2020)، الذي نال جائزة كانال بلس في مهرجان كليرمونت فيراند السينمائي للأفلام القصيرة، إلى جانب عشرات الجوائز في مهرجانات أخرى.

ثم عادت عام 2021 لتُقدّم فيلم “الصوت الافتراضي”، والذي عُرض في مهرجان ترابيكا السينمائي، مؤكدة مرة أخرى على بصمتها الفريدة كصانعة أفلام تتمسك بالسرد النسوي، وتجمع بين الحس الشعري والواقعية النقدية.
وفي عام 2022، كلّفها غاليري سيربنتين بإخراج فيلم وثائقي عن الفنانة التشكيلية السودانية البارزة كامالا إسحاق بعنوان “كاملا إبراهيم إسحاق: حالات تفرّد”، وهو عمل أرّخ لبصمة فنية نسوية في السودان بصريًا وجماليًا.

حكاية من أرض الحلم

فيلم “ملكة القطن” هو استكمال بصري وفكري لثيمة سوزانا المفضلة: المرأة السودانية. وتعود جذوره إلى عالم فيلمها السابق “الست”، لكنه هذه المرة يتخذ من الطابع الروائي الطويل فضاءً رحبًا لبناء قريةٍ سودانية من القطن والحلم والمواجهة.

نفيسة، بطلة الفيلم، فتاة مراهقة نشأت في قرية تعيش على زراعة القطن، وقد تربت على قصص الجدة عن مقاومة الاستعمار البريطاني، وأسطورة “ملكة القطن” التي تحولت إلى مرجعية طفولية لها. لكن، ما أن يصل رجل أعمال سوداني شاب يحمل بذورًا معدلة وراثيًا، حتى تدخل نفيسة في صراع خفي لا ينفصل عن أسئلة الأرض، والهوية، والاستقلال.

الفيلم لا يقتصر على التوتر بين التراث الزراعي المحلي والرأسمالية الزراعية المعولمة، بل يفتح جرحًا آخر أعمق، حين يقرر رجل الأعمال التقدّم لخطبة نفيسة، لتجد البطلة نفسها في مواجهة قاسية مع قضية الزواج القسري وزواج القاصرات، في مجتمعٍ لا يزال متأرجحًا بين موروث العادات وأحلام التغيير.

من الهامش إلى فينيسيا

نظراً لغياب البنية التحتية لصناعة السينما في السودان، وجدت سوزانا نفسها مضطرة للانتقال إلى قطر، حيث تعاونت مع معهد الدوحة للأفلام للتخطيط والإنتاج.
هناك، في مساحة من الدعم المهني، بدأت ملامح الفيلم تتكوّن، مع إصرار من سوزانا على أن تقدم للعالم سينما سودانية نسوية، قادرة على قول الحقيقة بلغتها الخاصة.
وتعليقًا على عرض “ملكة القطن” في فينيسيا، قال المخرج السوداني محمد كردفاني: “سعيد باختيار فيلم سوزانا، خصوصًا أنني كنت شاهدًا على ولادة هذا المشروع ومراحل تطويره. فخور أن السودان، رغم الحرب، لا يزال ينتج سينما بمستوى عالمي”.

المرأة السودانية كبطلة

“ملكة القطن” لا تحكي فقط قصة فتاة، بل تستحضر تاريخًا طويلًا من المقاومة النسائية في السودان، وتحاول إعادة تقديمه بصريًا بطريقة حداثية. إنه فيلم عن البذور؛ بذور القطن، وبذور الأساطير، وبذور الوعي.
وفي حديث لها لمجلة فاريتي، قالت ميرغني: “لدينا الكثير من الأفلام الوثائقية عن النساء في السودان، وكانت ضرورية في وقتٍ ما، لكنّ الثقافة تغيرت الآن. علينا أن نسمح للسودانيات بصناعة أفلامهن الخاصة”.

سوزانا، التي تمارس الكتابة الشعرية أيضًا، نشرت قصيدتها الشهيرة “خصائص سلوكية للسودانيين” في مجلة “مزنة”، والتي عكست وعيًا سياسيًا وثقافيًا بالمجتمع السوداني. ويبدو أن هذا الحس الشعري يتسرّب بهدوء إلى أفلامها، فيعطيها أبعادًا تتجاوز الحكاية التقليدية.

نحو سينما سودانية مستقلة

“ملكة القطن” ليس مجرد فيلم عن فتاة من الريف السوداني، بل هو بيانٌ فني عن أهمية التمثيل النسوي في السينما، وعن قدرة السودان، حتى في ظل الحرب، على إنتاج أعمالٍ بمستوى عالمي. سوزانا ميرغني، بصبرها وشغفها، تفتح الباب لأجيال جديدة من صانعات الأفلام السودانيات، وتؤكد أن الحكايات السودانية تستحق أن تُروى لا كتراث، بل كحياة مستمرة.

المصدر: صحيفة التغيير

شاركها.