الدكتور ألدو أجو دنق أكوي

المقدمة:

عالم على صفيح ساخن… وأفريقيا في مرمى النيران

يشهد العالم تحوّلاً عميقاً في موازين القوى. ما كان يوماً تعاوناً بين القوى الكبرى لصون الأمن والاستقرار، أصبح اليوم صراعاً مفتوحاً على النفوذ والهيمنة. الولايات المتحدة، الصين، روسيا، ومعها تحالفات متنافسة، تتحرك وفق حسابات أيديولوجية واقتصادية وعسكرية تنذر بتهشيم النظام العالمي القائم.

يتجلّى هذا في ملفات مشتعلة:

فشل مسار السلام في الشرق الأوسط، النزاع الفلسطينيالإسرائيلي المزمن، التصعيد بين إسرائيل وإيران، الحرب المدمرة في أوكرانيا، والتوتر الاقتصادي المتفاقم بين واشنطن وبكين.

حتى المشهد النقدي يشهد تحولات جذرية مع بروز عملات “بريكس” كبديل محتمل للدولار، ما يفتح الباب أمام حرب نقدية عالمية تهدد قواعد التجارة والتمويل.

وفي قلب هذه الفوضى، تقف أفريقيا. ليست طرفاً مباشراً في هذه المواجهات، لكنها تدفع الثمن الأكبر: مستهدفة بالموارد، ومُهمّشة في القرار، ومفتقدة لاستراتيجية موحّدة. إن لم تستيقظ أفريقيا الآن، فستجد نفسها ضحية صامتة لجولة جديدة من التنافس الإمبريالي.

انقسامات القوى الكبرى:

النظام العالمي في حالة تفكك بات جليّاً أن القوى العظمى لا تتعاون لحفظ السلام: فلسطين وإسرائيل:واشنطن تدعم تل أبيب بلا حدود، بينما تصطف موسكو وبكين خلف الخطاب المناصر لفلسطين، دون تقديم مسار واقعي للحل.

التوتر الإيرانيالإسرائيلي: مجلس الأمن عاجز بفعل الفيتو والانقسامات الحادة. أوكرانيا: الغرب يدعم كييف عسكرياً، فيما تواصل روسيا حربها وتناور الصين لتعزيز نفوذها دون خسارة موسكو.

اقتصادياً: التنافس الأميركيالصيني يشطر الأسواق وسلاسل الإمداد. نقدياً: تحالف “بريكس” يقود معركة لكسر هيمنة الدولار، بضم دول مثل مصر وإثيوبيا والإمارات.

هذه التصدعات تخلق نظاماً عالميّاً بلا قواعد راسخة، يفتح الباب أمام سباق تسلّح، وحروب بالوكالة، وانهيار منظومة التعاون الدولي.

وفي خضم ذلك، أفريقيا هي الحلقة الأضعف والأكثر عرضة للاستغلال. التدافع الجديد نحو أفريقيا: بين الإغراء والاستغلال التنافس على القارة اليوم أقل عن الاستعمار العسكري وأكثر عن السيطرة الاقتصادية والسياسية: الصين: تموّل البنية التحتية، لكنها ترهن دولاً أفريقية بديون طويلة الأمد.

الولايات المتحدة: ترفع شعار الديمقراطية، بينما تركز على النفوذ العسكري والأمني. روسيا: تبني شبكات أمنية وتقدم خدمات مرتزقة.

أوروبا: تسعى لاستعادة مواقعها التاريخية، في ظل تصاعد المقاومة الشعبية لسياساتها. بريكس: تقدم نفسها كبديل للمؤسسات الغربية، مغرية بتمويل أقل شروطاً. هذا “التدافع الجديد” يتمحور حول النفط والغاز والمعادن النادرة واليورانيوم والزراعة، مقروناً بولاءات سياسية.

لكنّ أفريقيا حتى اللحظة تتعامل بردود أفعال، لا باستراتيجية موحّدة، ما يجعلها عُرضة لإعادة استعمارها بأدوات جديدة: عقود، عملات، ديون، وتكنولوجيا.

الاتحاد الأفريقي: من غياب الفعل إلى ضرورة المبادرة الاتحاد الأفريقي الذي أُنشئ ليكون صوت القارة الجماعي، ما زال يفتقر إلى سياسة خارجية واضحة للتعامل مع هذا المشهد العالمي المتشظي.

بدلاً من أن تصيغ أفريقيا شروط شراكاتها، تُفرض عليها أجندات خارجية.

الآن هو وقت التحرك: صياغة سياسة خارجية موحّدة تمكّن القارة من التفاوض بصوت واحد. المطالبة بإصلاح مجلس الأمن والحصول على مقعد دائم يعبّر عن مليار ونصف المليار أفريقي.

حماية الموارد عبر اتفاقيات عادلة في مجالات الطاقة والمعادن والرقمنة.

تعزيز الاستقلال المالي من خلال تكامل الأسواق الأفريقية وإنشاء آليات تمويل ذاتية. التصدي لاستغلال القارة تحت غطاء “المساعدات” أو “التعاون الأمني”.

إن لم يحدث ذلك، فإن أفريقيا تواجه خطر إعادة استعمارها اقتصاديًا، لا على يد قوة واحدة، بل عبر قوى متعددة متنافسة ستقسم القارة وتنهب مواردها.

الخاتمة:

صرخة تنبيه للعالم ولأفريقيا إذا استمرت القوى العظمى في مسارها الحالي من الصراع بدل التعاون، فإن العالم يقترب من عصر الفوضى الدائمة: مجلس أمن عاجز، نظام نقدي متشظٍ، منافسات مسلّحة، واتفاقيات سلام واهية. بالنسبة لأفريقيا، المخاطر أكبر. القارة تقف عند حافة موجة استعمارية ثانية، بأدوات أكثر نعومة لكنها لا تقل فتكًا: الديون، التكنولوجيا، سلاسل الإمداد، العقود غير العادلة. على الاتحاد الأفريقي أن ينهض، أن يوحّد الصوت، أن يرسم خطوطًا حمراء، وأن يطالب بالاحترام والندية على الساحة العالمية. إن لم تتحرك أفريقيا اليوم، فستُقسّم غدًا بالصمت والإهمال، لا بالبنادق بل بالصفقات. العالم يجب أن يصغي. وأفريقيا يجب أن تتحرك. والوقت هو الآن. _____________ المراجع: أجندة الاتحاد الأفريقي 2063: “أفريقيا التي نريدها”. تقارير قمة بريكس (20232025) واستراتيجيات إزالة هيمنة الدولار. إصلاح مجلس الأمن وتقارير الأمم المتحدة. تقييمات صندوق النقد الدولي حول ديون أفريقيا (2024). قانون المنافسة الاستراتيجية بين الولايات المتحدة والصين (20212024). قرارات الأمم المتحدة بشأن فلسطين وأوكرانيا (20222025). بيانات مجلس السلم والأمن الأفريقي حول التعددية القطبية.

*دكتور. الدو اجو دينق : ماجستير و دكتوراه في القانون الدولي والدبلوماسية جامعة لندن (SOAS)، عضو المجلس التشريعي الوطني (مجلس الولايات) نائب رئيس الوزراء و وزير النقل (19851989).

المصدر: صحيفة الراكوبة

شاركها.