أحمد المهدي
المثقف هو الشخص الذي يمتلك القدر الكافي من الوعي والمعرفة ويتفاعل معها ليعيد إنتاجها بفكر جديد ليسهم عبره في النهوض بالناس وفتح آفاق وعيهم ، ولا يقتصر دور المثقف على نشر المعرفة فقط بل يمتد لما هو أبعد من ذلك .
فالمثقف صاحب رسالة وليس مجرد ناقل معرفة ، وقد تسهم رسائله التنويرية في تحرر الناس من أسر العادات الجامدة والتقاليد المتوارثة وتدفعهم نحو التفكير الحر والانفتاح على فضاءات أرحب من الإدراك والمعرفة ، ولكي يؤدي رسلته القيمة بصدق، لا بد له من شرط أساسي وهو صدق الإلتزام الأخلاقي والثبات على المبدأ .
ولذلك نجد أن المثقف الواعي هو من تتسق أفكاره مع حياته، ويجعل من ثقافته ممارسة يومية، لا انفصال فيها بين الفكر والعمل، ولا تناقض بين القول والفعل.
بعد أندلاع الحرب سقط كثير من المثقفين السودانين في فخ التبعية للاطراف المتحاربة ، وانحازوا إلى أطراف النزاع بدوافع مختلفة ودعموا سياسة القتل والحرب وبسبب أسهامهم في إشاعة التفرقة والكراهية خسروا هويتهم الفكرية وذابت أصواتهم في جوقة تأجيج الاقتتال وتبرير مشروعيتها .
بعضهم تحولوا إلى أبواق لدعم القتلة وأستماتوا في الدفاع عنهم لاثبات شرعية زائفة تبرر انتهاكاتهم وجرائمهم بدلا من الوقوف إلى جانب الحق الساعي إلى إيقاف الحرب ووضع حد لمأساتها.
أسوأ أنواع السقوط هو سقوط المثقف حين يعرض قلمه ومواقفه في سوق النخاسة ليحول عقل الشعوب إلى أداة تخريب وطغيان، حينها لا يعود مثقفًا، بل يصبح مجرد مسخ ، وسرعان ما ينكشف زيفه، ويخبو وهجه، وتنتهي رسالته قبل أن تبدأ.
المثقف الحق لا ينتمي إلا للحق، ولا يصطف إلا إلى جانب الإنسانية والخير والسلام ، ويرفض بأن يكون تابعًا لسلطة غاشمة أو أداة لخدمة القتلة.
[email protected]
المصدر: صحيفة الراكوبة