علي فوزي
في الوقت الذي تتواصل فيه معاناة الشعب السوداني نتيجة الحرب المدمرة التي اندلعت في أبريل 2023، تثبت مصر يومًا بعد يوم أنها الشقيق الأقرب والأصدق في دعم السودان، ليس فقط بالخطابات، بل بالفعل والمبادرة والاحتضان الإنساني. وعلى عكس ما تروّج له بعض الشائعات المغرضة، فإن القاهرة لا تسعى لإطالة أمد الحرب، بل تعمل بصمت وجهد متواصل على دعم الاستقرار، وتيسير سبل العودة الطوعية، والتمسك بوحدة السودان وسلامة أراضيه.
عودة مئات السودانيين إلى الخرطوم اليوم
في مشهد مؤثر وحاشد، تجمع المئات من السودانيين النازحين صباح اليوم الإثنين في محطة رمسيس الرئيسية بالقاهرة، استعدادًا للعودة إلى الخرطوم، ضمن المرحلة الثانية من خطة العودة الطوعية التي تدعمها مصر. الرحلة انطلقت بالقطار من القاهرة إلى أسوان، ومنها عبر الحافلات والعبارات إلى السودان، بتكاليف تتحملها منظومة الصناعات الدفاعية السودانية بالتنسيق مع السلطات المصرية.
وبحسب تقديرات أولية، فقد غادر ما يقارب من ألف سوداني في هذه الرحلة، في خطوة تعكس التنسيق العالي بين القاهرة والخرطوم، وحرص مصر على المساهمة الفعلية في إنهاء معاناة الأشقاء السودانيين، ودعم استقرار وطنهم.
أرقام الدعم المصري للسودان
على مدى أكثر من عام من الحرب، قدمت مصر دعمًا واسع النطاق للسودانيين على مستويات متعددة، وفيما يلي أبرز الأرقام:
أكثر من 520 ألف لاجئ سوداني دخلوا مصر منذ بداية الحرب حتى منتصف 2025، وفقًا للبيانات الرسمية.
أكثر من 20 مليون دولار تم إنفاقها على المساعدات الطبية والإغاثية للسودانيين في مصر، بدعم من الحكومة المصرية ومنظمات محلية.
تم تجهيز 7 معابر حدودية ومحطات استقبال بطواقم طبية وإغاثية للتعامل مع تدفق اللاجئين.
توفير ما يزيد عن 150 ألف مقعد دراسي للأطفال السودانيين في المدارس المصرية، ضمن سياسة دمج التعليم.
تنظيم رحلات عودة طوعية لما لا يقل عن 10 آلاف سوداني حتى الآن، عبر مراحل متعددة، بتعاون مصريسوداني مباشر.
الرد على الشائعات.. من المستفيد من تشويه صورة مصر؟
رغم الجهود الإنسانية والدبلوماسية الواضحة التي تبذلها القاهرة، تصاعدت مؤخرًا بعض الأصوات المشبوهة التي تدّعي أن مصر تستفيد من الحرب أو تسعى لإبقائها مشتعلة. وهي رواية لا تجد أي سند منطقـي، لا سياسيًا ولا إنسانيًا.
الحقيقة أن مصر كانت ولا تزال من أكثر الدول تضررًا من هذه الحرب بحكم الحدود المشتركة والتداخل البشري والاجتماعي والاقتصادي العميق. ولذا، فإن كل ما تقوم به القاهرة يهدف إلى إطفاء نيران الحرب، لا إذكائها.
كما أن مصر تتحمل أعباء ضخمة نتيجة استضافتها مئات الآلاف من السودانيين الفارين من الحرب، وقد فتحت لهم المدارس والمستشفيات وفرص العمل، دون أن تربط ذلك بأي مواقف سياسية.
مصر تدفع نحو الحل السياسي والعودة الآمنة
منذ اندلاع النزاع، لم تدّخر القاهرة جهدًا في جمع الفرقاء السودانيين على طاولة الحوار، بعيدًا عن الضغوط أو الإملاءات الخارجية. كما استضافت عدة لقاءات ومبادرات لتقريب وجهات النظر، وتؤكد دوماً أن الحل يجب أن يكون سودانيًا سودانيًا، وتحت مظلة وطنية جامعة، بعيدًا عن التدويل الذي كثيرًا ما أدى إلى تعقيد الأزمات.
أما على المستوى الإنساني، فإلى جانب تسهيل الإيواء والعلاج والتعليم، تبنت مصر برامج دعم العودة الطوعية، في تنسيق مع السودان ومنظمات المجتمع المدني، لإعادة المهجرين إلى ديارهم بأمان وكرامة.
ختامًا.. شراكة المصير أقوى من كل تشويه
إن ما يجمع مصر والسودان ليس فقط حدودًا أو مصالح مشتركة، بل تاريخ طويل من وحدة النضال والمصير والمستقبل. ومثلما كانت القاهرة حاضنة لحركات التحرر الوطني في السودان، ها هي اليوم تقف إلى جانب شعبه وهو يسعى لاستعادة دولته واستقراره.
ومع عودة أولى قوافل السودانيين الطوعية إلى الخرطوم، تتضح معالم الحقيقة أكثر من أي وقت مضى: مصر لا تراهن إلا على استقرار السودان، ولا تفتح أبوابها إلا حبًا في شعبه، ولا تتحرك إلا وفقًا لقيم الأخوّة والمصير المشترك.
* صحفي مصري و باحث في الشؤون العربية و الإفريقية و مدير وكالة وادي النيل
المصدر: صحيفة الراكوبة