في أول خروج إعلامي بالصوت والصورة، كشف وزير العدل، عبد اللطيف وهبي، عن روايته بخصوص البيانات المعروفة بـ”تسريبات جبروت”، التي اجتاحت مؤخرا مواقع التواصل الاجتماعي، والتي تتعلق بعقار فاخر بالعاصمة الرباط بقيمة تصل إلى 11 مليون درهم، اقتناه عبر قرض بنكي سنة 2020 قبل الاستوزار، وسُددت كامل أقساطه في ظرف أربع سنوات فقط. كما تضمنت هذه التسريبات أيضا وثائق تشير إلى تبرعه بهذا العقار إلى زوجته في غشت الماضي، مع التصريح بمليون درهم فقط، كقيمة له، مما اعتبره العديد من المتابعين “تهرباً ضريبياً”.
“التسريبات قصة العقار”
أوضح وهبي، في حوار مع جريدة هسبريس الإلكترونية، أن “الذين نشروا هذه التسريبات لم ينشروا الملف كاملا”، مضيفا أن “العقار موضوع هذه التسريبات أهديته لزوجتي، التي لا تشتغل ولا تملك تقاعدا كهبة في إطار الكد والسعاية، وتثمين العمل المنزلي الذي طالما ناديت به، ولم آخذ أموالا ولم أجن أي أرباح من وراء هذه العملية”.
وعند سؤاله عن سر تقييمه للعقار موضوع الهدية بمبلغ يفوق قيمته الحقيقية، أكد وزير العدل أن من حقه تقييم العقار بالمبلغ الذي يريد ما دام موضوع هبة فقط ولم يكن موضوع عملية تفويت أو بيع متحصل من ورائها على مبالغ مالية أو أرباح، مضيفا “إذا ثبت بأنني جنيت أي أرباح من وراء هذه العملية ولم أؤد عليها أي ضرائب فأنا مستعد للمحاسبة”. وأكد في الوقت ذاته تصريحه بعملية تفويت العقار إلى حرمه، وبجميع ممتلكاته لفائدة السلطات المختصة، مبرزا استعداده للخضوع إلى مراجعة ضريبية.
وذكر أن “هذه التسريبات لا يتم الترويج لها بصدق وحسن نية، بل تتم بانتقائية مقصودة”، مضيفًا أن “هناك أشخاصًا في الخارج ينشرون فقط ما يتماشى مع أهوائهم ويخلطون الأوراق لإظهار أن هناك جريمة ما، كما أن هناك طابورًا خامسًا داخل هذا الوطن يستعملها ويستغلها لتصفية الحسابات”.
وأكد وهبي أنه غير ملزم عمليا بالرد على هذه التسريبات، قائلا: “أنا مسؤول أقوم بعملي وليس من صميم عملي أن أجيب عن أي حديث كان أو أي كلام في مواقع التواصل الاجتماعي”، مضيفًا أن “الوثائق موضوع التسريبات تأتي من مكان غامض ومجهول خارج الوطن، ومن جهات تلعب أدوارًا معينة، وهناك أشخاص داخل المغرب يفرحون كثيرًا بمثل هذه التسريبات”.
واسترسل قائلا: “ليس من المسؤولية الوطنية أبدا أن يتم تداول وثيقة على مواقع التواصل الاجتماعي واستعمالها لأغراض معينة دون التأكد حتى من صحتها”، لافتا إلى أن “المشكل ليس في الذين يسربون هذه الوثائق، لأن في الأخير تلك وظيفتهم التي يتلقون عليها أجرا، لكن المشكل في أولئك الذين يوجدون بيننا ويوظفون هذه الوثائق باسم محاربة الفساد وما إلى ذلك، وفي المقابل ينفون عن أنفسهم مسؤولية تداولها، في حين أنهم يرتكبون جريمة بإعادة نشر وثائق دون التأكد من صحتها”.
وأضاف “لحسن حظ أولئك الذين يمارسون الشعبوية ويطلقون الأحكام الجزافية أنني وزير لا أستطيع أن أقول الكثير أو أن أذهب إلى المحكمة للمرافعة في مواجهتهم، ولذلك يتصرفون بحرية. ولكن بقيت سنة وسألتقي بهم آنذاك في ردهات المحاكم”، في إشارة إلى المدة التي بقيت له على رأس وزارة العدل برسم الولاية الحكومية الحالية.
حروب رقمية
وأكد وهبي أنه مستهدف في شخصه وعائلته بسبب جرأته وتوجهه في إصلاح العديد من النصوص القانونية، إذ قال: “حينما طرحت تصوري لإصلاح مدونة الأسرة قيل فيّ ما لم يقله مالك في الخمر، وسكتت حينها لأن لدي قناعات أدافع عنها”، متسائلا “هل أنا وزير لكي أُهان؟”.
وأشار المسؤول الحكومي ذاته، في حواره مع هسبريس، إلى أنه ليس غريبا عن حملات الاستهداف، مبرزا تعرضه في مرات عديدة لحملات واتهامات بالفساد والإلحاد والزندقة بسبب هذه الجرأة وبسبب القرارات الإصلاحية غير المألوفة التي اتخذها على رأس الوزارة. وأضاف على صعيد آخر أن “مختلف التسريبات الرائجة على مواقع التواصل الاجتماعي، التي تأتي من الخارج، تبرز التحول في مفهوم الحروب من الحروب التقليدية إلى الحروب الرقمية التي ستبدأ”.
وأكد أن “المغرب ليس دولة مارقة، ويحترم القانون الدولي ويتصرف وفقا للقانون، ولا يسرب المعلومات أو يلجأ إلى مثل هذه الأساليب لمس دولة أخرى”، مشيرا إلى أن “مختلف التسريبات الرائجة على وسائط التواصل الرقمية تهم اختراقات تعرضت لها مواقع بعض الموثقين وبعض نقابات المحامين، حيث تمت سرقة بعض البيانات والمعلومات البسيطة التي يتم توظيفها الآن من طرف بعض الجبناء الذين يختبئون وراء الشاشات”.
وحول إمكانية لجوئه إلى القضاء في مواجهة التسريبات الأخيرة التي استهدفته، قال وزير العدل: “لم ألجأ إلى القضاء، لكن أنتظر أن ينزلق البعض ممن يوظفون هذه التسريبات للمساس بي لارتكاب حماقة معينة، فأنا محامٍ وأمارس عملا حضاريا محميا بموجب الدستور، وهو الحق في التقاضي”. وأضاف، جوابا عن قضية متابعة الصحافي حميد المهداوي، أن “الأخير رفع راية الجهاد ضدي وما زال يرفعها، وقد تواصل مع محامين مكلفين بقضيتي يريد التفاوض معي، لكن عَلامَ سأتفاوض بعدما أهانني ومسّ بعائلتي؟ ثم إن حرية الصحافة لا تعني أبدا إهانة الناس والكذب والافتراء عليهم”.
في سياق ذي صلة، وبخصوص فتح تحقيق في تسريب بيانات عدد من القضاة وموظفي وزارة العدل، أكد وهبي أنه “ليس من الضروري فتح تحقيق حول هذا الأمر على مستوى الوزارة، ذلك أن النيابة العامة هي التي تبحث في الموضوع”.
المسطرة المدنية
وتفاعلا مع سؤال حول مآل مشروع قانون المسطرة المدنية بعد إحالته على المحكمة الدستورية من طرف رئيس مجلس النواب، قال وهبي إن “هناك عادة في المغرب هي أنه حين نألف شيئا نستكين إليه؛ إذ إن هناك نصوصا موجودة منذ سبعينيات القرن الماضي يُتخوف من تغييرها أو تعديلها لارتباطها بمصالح أشخاص معينين، كما أن هناك تخوفات من المستقبل لأن الناس أعداء ما جهلوا… لذلك من الطبيعي جدا أن يُثار هذا النقاش لأننا أتينا بأكثر من 500 فصل، وكل فصل مرتبط بتصرف قانوني تترتب عنه نتائج وله تأثير على مسار مجموعة من القضايا المرتبطة أيضا بالتقنيات الحديثة، وكل هذه المسائل تثير إشكالات وتخوفات”.
وتابع قائلا: “أنا أتفهم هذه التخوفات وردود الأفعال، وأتفهم الاختلاف أيضا، فأنا أضع النص من موقع الوزير الذي له تصور حول الإمكانيات، وحول طبيعة العمل، والإشكالات المطروحة، والمحامي يطرح النص من خلال موقعه كمحام، وكذلك القاضي. وبالتالي، فإن هذا الاختلاف في المواقع يطرح بالضرورة اختلافا في التصورات والفهم”.
واعتبر أن “إحالة مشروع قانون المسطرة المدنية مسألة إيجابية جدا، باعتبار أنها ستعطي النص قيمة قانونية ودستورية”.
القانون الجنائي ومدونة الأسرة
وعلاقة بمشروع القانون الجنائي، ذكر المسؤول الحكومي ذاته أن “المشروع تأخر بعض الشيء، لكنه في الأشهر القليلة المقبلة ستتم إحالته على المسطرة التشريعية”، مُقرّا بأن “التشريع صعب في هذا البلد؛ ذلك أن المجتمع المغربي مجتمع تقليداني، تتصارع فيه الحداثة مع الأصالة، والتوازن والحوار بينهما هو الذي يؤسس لاستقرار البلد، وأي مساس بهذا التوازن يطرح أكثر من إشكال”.
وأكد أن الواقع يحتاج إلى كثير من العمل، لافتا إلى أن “المغرب يعيش تحولات كبيرة، وعليه ضغوط دولية واجتماعية للسير في اتجاه التحولات، رغم مواقف بعض القوى المحافظة”. وأبرز أن “النظام السياسي المغربي يتقن إدارة التوازن بين الأصالة والحداثة”.
وتفاعلا مع إشاعات استبعاده من ورش إصلاح مدونة الأسرة وسحب هذا المشروع من وزارته، أكد وزير العدل أنه “لم يتم أبدا سحب المشروع مني، وأنا حاضر في صلب النقاشات حول هذا المشروع، الذي وصل إلى مراحله الأخيرة لإحالته على المسطرة التشريعية، بتعاون مع مجموعة من الجهات والمؤسسات”، مضيفا أن “البعض كان يتمنى أن أكون خارج هذا الموضوع، لكن يبدو أن تمنياتهم انتهت”.
المصدر: هسبريس