
منبر واشنطون،،، اختبار حقيقي للنفوذ المصري داخل السودان
حسب الرسول العوض ابراهيم
المشهد السياسي السوداني شهد خلال يوليو الجاري تحركات نشطة أبرزها المبادرة التي تقودها الولايات المتحدة عبر منبر واشنطن، بمشاركة السعودية مصر الإمارات في محاولة لصياغة خطة نهائية لوقف الحرب المستمرة في السودان. ورغم الزخم المصاحب لهذه الخطوة إلا أن إعلان الخطة تأجل وفقًا للتسريبات بسبب خلافات حادة تتعلق بشكل التمثيل السوداني وشكله داخل المنبر.
تقول تلك التسريبات ان القاهرة تتمسك بمشاركة ممثلين عن الجيش السوداني فقط مستبعدة القوى المدنية والحكومة وهو ما أثار تساؤلات عميقة حول طبيعة علاقتها بالجيش السوداني. في الأوساط السودانية توصف هذه العلاقة بأنها ذات طابع استخباراتي وأمني أكثر منها سياسية أو دبلوماسية. وتذهب بعض النخب السودانية إلى تحميل مصر جانباًْ من المسؤولية عن إطالة أمد الحرب من خلال دعمها غير المعلن للجيش وعرقلة أي اتجاه نحو تفاوض لايضمن لها تحقيق مصالحها داخل السودان .
وتستند هذه الآراء إلى قناعة راسخة مفادها أن الانقلاب على حكومة عبد الله حمدوك في أكتوبر 2021 لم يكن ليحدث لولا وجود ضوء أخضر مصري ، استنادًا إلى سجل القاهرة في دعم الأنظمة العسكرية في السودان ومعارضتها المتكررة لأي انتقال ديمقراطي حقيقي بصرف النظر عن توجهات تلك الأنظمة العسكرية .
من هنا يبرز السؤال الطبيعي ،،
هل تخشى مصر عودة القوى المدنية إلى المشهد السياسي السوداني من جديد ؟
فيما تبدو خشية الإسلاميين الذين يصطفون مع مصر في هذا الاتجاه من التحول الديمقراطي مفهومة بالنظر إلى حساباتهم السياسية ولكن يصعب تفسير موقف مصر ، إلا في سياق رغبتها في الحفاظ على نفوذها الإقليمي داخل السودان عبر بوابة العسكر ، وضمان وجود سلطة يمكن التحكم في قرارها السياسي والأمني.
في المقابل تحاول الولايات المتحدة دفع جهود الحل إلى الأمام انطلاقًا من مصالحها الإقليمية، ومن خلال استثمار موقعها في ملفات أخرى تمسك بها في المنطقة. ويُنظر إلى منبر واشنطن هذه المرة على أنه أكثر جدية وتأثيراً خاصة وأنه مدعوم بقدرات ضغط حقيقية على الأطراف السودانية والدولية الفاعلة.
ظهور هذا المنبر على السطح أربك معسكرات الحرب في الداخل السوداني، وأحدث خلطًا في أوراق القوى المتمسكة باستمرار الحرب خاصة تلك التي كانت تعوّل على حكومة كامل إدريس، التي جاءت مخيبة للآمال لكل الاوساط ، في فك العزلة الخارجية وتقديم واجهة سياسية جديدة تخفف من الضغوط الدولية والغضب الشعبي المتزايد بالداخل .
الارتباك تجلى كذلك في تسريبات تتحدث عن نية الحكومة العودة إلى الخرطوم بعد تزايد الشكوك حول أمن واستقرار مدينة بورتسودان التي أصبحت مركزًا هشًّا للسلطة الموازية. وهو ما يكشف أن الحرب بدأت تستهلك معسكرها الداعم أكثر مما تخدمه.
خلاصة القول ، يبدو أن منبر واشنطن هذه المرة أكثر تماسكًا وجدية من المبادرات السابقة ويملك من الأدوات السياسية والدبلوماسية ما يجعله قادرًا على تحريك الأطراف المتورطة نحو طاولة الحل.
ورغم التعقيدات فإن جدية المبادرة تمنح الأمل في إمكانية إيقاف نزيف الحرب. فالديناميكية الإقليمية والدولية قد تجبر حتى القوى الأكثر تشبثًا بالحرب على الجلوس إلى طاولة الحل خاصة إذا أدركت أن الكلفة لم تعد تُحتمل، وأن الرهان على الوقت خاسر للجميع.
كاتب ومحلل سياسي
[email protected]
المصدر: صحيفة التغيير