لا شيء يهيّئ قلب أم، ولا وجدان أب، لتلقي خبر رحيل ابنة شابة دخلت المستشفى على قدميها، لا لتتداوى من مرض، بل بحثًا عن جسد أنحف أو مظهر “أفضل” كما قيل لها.

هكذا تبدأ القصة، كما في عشرات الحالات التي انتهت بفقدان الحياة بعد عمليات تُقدَّم على أنها طبية: تكميم المعدة، تغيير المسار، شفط الدهون.. تدخلات وُجدت أصلًا لعلاج أمراض حرجة، تحوّلت تدريجيًا إلى “خيار عادي” يُسوَّق كأنه تعديل بسيط، بينما تُحرّكه في كثير من الأحيان هواجس مظهرية لا دوافع طبية.

فمعايير الجمال اليوم لم تعد تُصاغ في عيادات الأطباء ولا في نصائح الخبراء، بل على شاشات الهواتف: في صورة مشذّبة على “إنستغرام”، أو قوام “مفلتر” على “تيك توك”، أو مقطع “قبل وبعد” يُعيد إنتاج الوهم في كل نقرة.

حين يختلط الضغط النفسي بالوهم الرقمي تدخل فتاة سليمة إلى المصحة بحثًا عن “الكمال”، وتخرج منها محمولة في نعش. تحوّل أخلاقي خطير تهيمن فيه سلطة الصورة وتتحكم فيه المعايير الرقمية بقرارات تتعلق بالحياة والموت.

لا أحد يُنكر حق الإنسان في العناية بجسده، لكن حين ترتبط عمليات التجميل باحتمال الوفاة، نكون أمام أزمة تتجاوز الخيارات الفردية، لتطرح أسئلة على المجتمع بكامله: على المنصات الرقمية، وعلى الجهات الطبية، وعلى الهيئات الرقابية.

لا شيء يجب أن يدفع الإنسان إلى مشرط الجراح سوى ضرورة طبية واضحة. ولا أحد يملك الحق في الترويج لقرار جراحي دون كشف الحقيقة كاملة: عن الألم، عن المخاطر وعن الأرواح التي ضاعت في الطريق.

فالقرار الجراحي ليس محتوى ترفيهيًا، ولا وسيلة لحصد الإعجابات. إنه مسؤولية طبية وأخلاقية تبدأ بتشخيص نزيه، وتنتهي بكلمة أخيرة للطبيب الحقيقي، لا للمؤثر الرقمي.

وربما حين يُستعاد هذا المعنى نُنقذ أرواحًا أخرى من أن تُزهق باسم الرشاقة.

المصدر: هسبريس

شاركها.