أمد/ في غزة المحاصرة منذ ما يزيد عن 18 عامًا، لم تعد الحرب تطرق الأبواب بالقذائف فقط، بل دخلت البيوت من بوابة الجوع.
ففي ظل شُحّ المساعدات، وغياب الرقابة، وتصاعد الاحتكار، بلغ سعر كيلوا الطحين مؤخرًا 100 شيكل وهو رقم جنوني يُعادل قرابة ثلاثة أضعاف متوسط سعره في الضفة الغربية!
ومع اختفاء السلع الأساسية مثل الأرز، البرغل، العدس، الفريكة، من رفوف المحلات، وانقطاعها شبه التام من الأسواق الشعبية، تُطرح تساؤلات مُرّة حول من يُدير فعليًا المشهد الاقتصادي داخل غزة؟ هل هي أزمة حقيقية، أم “صناعة تجويع ممنهجة” تطال الطبقات المسحوقة دون سواها؟
من المسؤول؟
المواطن الفقير بات ضحية واضحة بين فكّي كماشة:
من جهة أولى: تُجار الأزمات الذين يتلاعبون بالأسعار ويخزنون البضائع عمدًا، ويبيعونها في السوق السوداء بأسعار خيالية.
ومن جهة أخرى: المؤسسات والصرافات التي باتت تفرض عمولات قاسية على الحوالات المالية والمساعدات النقدية، تصل أحيانًا إلى 1015% من قيمة المبلغ المحوّل، وكأنها تفرض ضرائب على الكرامة.
أما الجهات المسؤولة عن إدارة القطاع، فتكتفي بالصمت، أو إصدار بيانات إنشائية لا تعالج جذور الأزمة، ولا تلاحق المحتكرين ولا تُنقذ الجائعين.
أين تذهب المساعدات؟
مئات ملايين الدولارات تُعلن الجهات المانحة عن تقديمها لأهل غزة سنويًا، لكن المواطن لا يرى منها سوى فتاتًا يأتيه مشروطًا، متأخرًا، ناقصًا، وأحيانًا لا يصل أصلًا.
في المقابل، تنمو إمبراطوريات تجارية لبعض “الأسماء المعروفة”، وتُبنى الفلل الفاخرة، وتُدشّن شركات الشحن والاتصالات والتطبيقات، على حساب جوع طفل، ومرض شيخ، وبطون خاوية تنتظر دورها في قائمة الموت.
صمتٌ مريب… وغضب قادم
هذا الصمت الرسمي والمجتمعي المُريب، وهذه المعادلة التي تذل الناس مقابل “الفتات”، لن تدوم. فشعب غزة الذي صمد في وجه الحروب، لن يُهزم أمام طابور خبز.
ثورة الجياع تقترب، ليس لأن الفقراء يريدونها، بل لأنهم يُدفعون إليها دَفعًا، بعدما ضاق بهم العيش، وضاقت بهم الحياة.
إننا أمام نُذر انفجار اجتماعي واقتصادي لا يقل خطرًا عن الحرب، وإذا لم تتحرك الضمائر والمؤسسات والقوى الوطنية لكسر هذه الحلقة الجهنمية من التجويع والتغول…
فانتظروا ثورة لا تبقي ولا تذر، تبدأ بالخبز… وتنتهي بتطهير الوطن من تجار الدم والجوع.