الخطر الإيراني لم يعد مسألة دبلوماسية قابلة للاحتواء، ولا مجرد مواجهة عسكرية عابرة، إنه مشروع عقائدي يقوم على ثلاثية متماسكة: طموح نووي، هيمنة إقليمية عبر الوكلاء وعقيدة دينية تشرّع العنف السياسي.

الهجمات الإسرائيلية والأميركية الأخيرة، التي استهدفت منشآت إيران النووية في فوردو ونطنز وأصفهان، كشفت حدود “الردع العسكري” في مواجهة مشروع بالغ التحصين والمرونة، فالمعطيات الاستخباراتية الأميركية نفسها تؤكد أن البنية التحتية الأخطر لم تُدمر بالكامل، وأن أجهزة الطرد المركزي الحساسة تم نقلها أو تحصينها، وهو ما يجعل من استئناف تخصيب اليورانيوم أمرًا مرجّحًا، بل متوقعًا في أي لحظة.

لكن الخطر لا يتوقف عند تخصيب اليورانيوم، فالمنطقة لا تزال تعاني من شحنات الأسلحة الإيرانية الموجّهة إلى الحوثيين في اليمن و”حزب الله” في لبنان، عبر مسارات تهريب متجددة من العراق وسوريا، وقد تم مؤخرًا اعتراض شحنات ضخمة ضمت صواريخ دقيقة وطائرات مسيّرة ومكونات دفاع جوي، في تأكيد جديد على أن طهران لا تنتظر طويلًا قبل أن تعوّض خسائرها.

إيران تُدير هذه الاستراتيجية باعتبارها “حربًا طويلة النفس”، لا تُحسم بضربة ولا تنكسر بعقوبات، بل على العكس تواصل بناء ترساناتها وتوسيع نفوذها تحت غطاء صراعات الآخرين وتراخي المجتمع الدولي، وكلما أُجبرت على التراجع في موقع، عادت لتعزّز وجودها في موقع آخر عبر ميليشيات محلية، ودعاية دينية، وخطاب تعبوي لا يتوقف.

الأخطر من كل ذلك هو التصعيد الديني الأخير الذي تجاوز حدود التحريض اللفظي إلى إصدار فتاوى صريحة بالقتل، فقد أصدر المرجع الإيراني البارز آية الله ناصر مكارم شيرازي فتوى اعتبر فيها أن كل من يهدد المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية “عدو لله”، داعيًا المسلمين إلى الانتقام منه. جاء ذلك ردًا على تصريحات للرئيس الأميركي دونالد ترامب وصف فيها خامنئي بـ”الهدف السهل”، متوعدًا بكشف مكانه واستهدافه، في ظل التوتر المتصاعد إثر الحرب الأخيرة.

هذه الفتوى، التي اعتبرها مراقبون تكرارًا لفتوى الخميني ضد سلمان رشدي، تحوّل الخصومة السياسية إلى مبرر ديني لاستباحة الدماء. وحسب تقارير أميركية، فإن التهديد باغتيال ترامب لم يظل في دائرة الكلام، بل تُرجم إلى محاولات عملية تم إحباط بعضها داخل الأراضي الأميركية.

إيران، التي لم تُردَع بالعقوبات ولا بالضربات، لا تزال تملك أدواتها، وتُراكم نفوذها، وتُعيد إنتاج خطابها العنيف دون كلفة تُذكر. وإيران التي تُحاصر سياسيًا هي ذاتها التي تخترق السيادات، وتُغذي النزاعات، وتستثمر في الضعف العربي والدولي على حدّ سواء.

إن مواجهة هذا الخطر لا تكون بانتظار انكفاء طهران من تلقاء نفسها، ولا بالتعامل مع كل تهديد على حدة، بل بتكوين رؤية استراتيجية متكاملة تعتبر المشروع الإيراني تهديدًا وجوديًا، وليس فقط مصدر إزعاج مرحلي.

فالتخصيب النووي، وزعزعة الاستقرار من الشرق الأوسط إلى شمال إفريقيا، والتلويح باغتيال الزعماء والرؤساء، ليست مسارات متوازية، بل أوجه لعملة واحدة: عقيدة الانتقام الإيراني.

المصدر: هسبريس

شاركها.