صدى الوطن

أدم أبكر عيسى 

 

في خضمِّ تحدياتٍ جسامٍ تُلقي بظلالها على المشهدِ السودانيِّ، ووسطَ انتظارٍ شعبيٍّ مُثقلٍ بالآمالِ، تبرزُ “حكومةُ الأملِ” كشراعٍ جديدٍ يُبحرُ نحو شاطئِ الاستقرارِ والبناءِ. إنَّ مسيرةَ تكوينِ هذهِ الحكومةِ، رغمَ مضيِّ ما يقاربُ الشهرينِ على تكليفِ دولةِ رئيسِ الوزراءِ الدكتورِ كاملِ إدريسَ بمهامِ الحكومةِ الانتقاليةِ، لم تكنْ مجردَ عمليةٍ إجرائيةٍ تقليديةٍ، بل كانتْ فصلاً فلسفياً عميقاً في فنِّ الحكمِ، مُفعماً بالصراعِ بينَ الرؤى والطموحاتِ، وبالإرادةِ الصلبةِ لتجاوزِ العقباتِ.

 

رؤيةُ البناءِ في مواجهةِ الواقعِ المُعقّدِ:

منذُ اللحظةِ الأولى لتكليفِهِ، طرحَ الدكتورُ كاملُ إدريسَ رؤيةً متقدمةً لحكومتهِ، تتجلى في خمسةِ أهدافٍ رئيسيةٍ تُجسّدُ مُرتكزاتٍ فلسفيةً للبناءِ الوطنيِّ : إعادةُ الإعمارِ، دعمُ القواتِ المسلحةِ وكافةِ القوى المساندةِ لها في “معركةِ الكرامةِ”، الاهتمامُ بمعاشِ الناسِ، استعادةُ السودانِ لمحيطِهِ الإقليميِّ والدوليِّ، ونبذُ خطابِ الكراهيةِ. هذهِ الأهدافُ لا تُمثلُ مجردَ بنودٍ في برنامجٍ سياسيٍّ، بل هي تعبيرٌ عن فهمٍ عميقٍ للتحدياتِ التي تواجهُ الدولةَ والمجتمعَ، وتُشيرُ إلى إدراكٍ بأنَّ التنميةَ الحقيقيةَ لا يمكنُ أن تتحققَ إلا في ظلِّ استقرارٍ أمنيٍّ وازدهارٍ اقتصاديٍّ وسلامٍ اجتماعيٍّ.

 

لقد واجهَ رئيسُ الوزراءِ اختباراً صعباً يتجاوزُ الأبعادَ الإداريةَ ليلامسَ جوهرَ المعضلةِ السياسيةِ في السودانِ. كانَ عليهِ أن يوازنَ بينَ مكوناتٍ مُتعدّدةٍ: من جهةٍ، حركاتُ الكفاحِ المسلحِ التي لها نسبةٌ محددةٌ وواضحةٌ بموجبِ اتفاقيةِ جوبا للسلامِ؛ ومن جهةٍ أخرى، رؤيتهُ الطموحةُ لتشكيلِ حكومةِ كفاءاتٍ وطنيةٍ خالصةٍ، قادرةٍ على العبورِ بالوضعِ نحو انتقالٍ حقيقيٍّ وتهيئةِ مناخٍ للحوارِ السودانيِّالسودانيِّ الشاملِ. ولا ننسى هنا، طرفَ المعادلةِ الأهمِّ، وهو المكونُ السياديُّ كفاعلٍ أساسيٍّ في هذهِ الصيغةِ المعقدةِ. إنَّ هذهِ الديناميكيةَ تُمثلُ معضلةً فلسفيةً كبرى في الحكمِ، حيثُ تتصادمُ المصلحةُ العامةُ المتمثلةُ في الكفاءةِ والعبورِ معَ اعتباراتِ التوافقِ السياسيِّ وتوزيعِ السلطةِ.

 

خطواتُ النجاحِ في متاهةِ التحدياتِ :

رغمَ كلِّ هذهِ التعثراتِ والعقباتِ الأوليةِ التي طغتْ على بدايةِ التكوينِ، استطاعَ الدكتورُ كاملُ إدريسَ أن يضعَ إطاراً صحيحاً للانتقالِ. هذهِ الخطوةُ لم تكنْ وليدةَ الصدفةِ، بل هي نتاجُ جهودٍ مُضنيةٍ ودبلوماسيةٍ قياديةٍ رفيعةٍ، تمثلتْ في:

 

1.فنُّ التوازناتِ: القدرةُ على تحقيقِ التوازنِ الدقيقِ بينَ إرضاءِ كافةِ المكوناتِ السياسيةِ والأطرافِ الاجتماعيةِ، في ظلِّ التعددِ العرقيِّ والإثنيِّ الذي يُميّزُ المجتمعَ السودانيَّ. هذا التوازنُ ليسَ مجردَ قسمةٍ للمناصبِ، بل هو اعترافٌ بتنوعِ النسيجِ الوطنيِّ وضرورةِ تمثيلِهِ ليكونَ قادراً على تنفيذِ البرامجِ والرؤيةِ الكليةِ للحكومةِ.

2.المرونةُ الاستراتيجيةُ: تجاوزُ عقباتِ وعثراتِ التشكيلِ لم يكنْ ممكناً لولا مرونةٍ في التفاوضِ، وحكمةٍ في التعاملِ معَ المطالبِ المتنافسةِ، وتركيزٍ على الهدفِ الأسمى وهو بناءُ الدولةِ، بدلاً من التمسكِ بجمودِ المواقفِ.

3.التركيزُ على المستقبلِ: على الرغمِ من ضغوطِ الحاضرِ، لم تغبْ الرؤيةُ المستقبليةُ عن ذهنِ رئيسِ الوزراءِ. فالهدفُ كانَ ولا يزالُ كيفيةَ مواجهةِ التحدياتِ الأمنيةِ والاقتصاديةِ والاجتماعيةِ التي تُعاني منها البلادُ، وتأهيلِ الحكومةِ لتكونَ أداةً فعّالةً في معالجةِ هذهِ الأزماتِ.

 

بزوغُ فجرٍ جديدٍ: مزيجُ الروحِ والخبرةِ:

يبدو أنَّ بدايةً جديدةً للانتقالِ قد بدأتْ تتشكلُ ملامحها، تحملُ في طياتها مزيجاً فريداً من روحِ الشبابِ التي تُمثلُ الطاقةَ المتجددةَ، والابتكارَ، والشجاعةَ في مواجهةِ التحدياتِ وخبرةِ العلماءِ التي تُمثلُ الحكمةَ، والعمقَ المعرفيَّ، والقدرةَ على التحليلِ واتخاذِ القراراتِ الرشيدةِ. هذا التآزرُ بينَ الأجيالِ والخبراتِ هو جوهرُ الفلسفةِ التي تُبنى عليها الأممُ القويةُ والمستدامةُ. حتماً، سوفَ يضعُ هذا المزيجُ أساساً جديداً للانطلاقِ، ويُهيّئُ الظروفَ كي يجنيَ الشعبُ السودانيُّ ثمارَ الجهدِ المبذولِ.

 

خاتمةٌ:

إنَّ ما تبقى من عقباتٍ أمامَ “حكومةِ الأملِ” هو قليلٌ جداً، ويمكنُ تجاوزهُ بالإرادةِ ذاتها التي ساعدتْ في تشكيلها. فالبناءُ عمليةٌ مستمرةٌ، والإصلاحُ مسيرةٌ لا تتوقفُ. إنَّ إيمانَنا بقوةِ الإرادةِ، وحكمةِ القيادةِ، وعزيمةِ الشعبِ، هو الكفيلُ بضمانِ أن تُصبحَ هذهِ الحكومةُ فعلاً بوابةً لمرحلةٍ جديدةٍ من الأمنِ، والرخاءِ، والسلامِ، تُعيدُ للسودانِ مكانتَهُ التي يستحقها بينَ الأممِ..

 

[email protected]

المصدر: صحيفة الراكوبة

شاركها.