كرامة البليلة… وبطولات الوالي الوهمية!

حسن عبد الرضي الشيخ

في مشهد عبثي لا يليق حتى بمسرح الهزل، خرج علينا والي الخرطوم يفتتح شارع “الحرية”، وكأنما صنع معجزة، متناسياً أو متجاهلاً أن هذا الشارع أُنشئ قبل أكثر من قرن، على يد من عرفوا قيمة الإنسان والحرية، لا من جعلوها شعاراً لتمويه الاستبداد.

ثم مضى الوالي الهمام ليقص الشريط الأحمر لتكية بائسة في قلب أم درمان، توزع “البليلة” والعدس على الجوعى، وسط التهليل والتكبير، وكأنما نزل النصر من السماء!
أهذه هي الكرامة التي تحدّثتم عنها؟
إنها ليست كرامة الشعب، بل “كرامة البليلة”… كرامة زائفة، لا تخدع إلا من اختار العمى طوعاً.

هذا الوالي نفسه، الذي أنكر على المنابر وجود مجاعة في الولاية، هو من قال: “ليست هنالك مجاعة، لكن المواطن لا يملك ما يشتري به الطعام!”
(يعني المجاعة دي كيفنها؟ يا العشاء أب لبن؟!).
ها هو اليوم، نفس “ناكر المجاعة”، يتباهى بطوابير الجوعى، ويحوّل معاناتهم إلى عرض احتفالي، ترقص له الكاميرات وتصفّق له الزغاريد.

هل نسي أم يتناسى أن من أطلق التكايا الحقيقية هم شباب الثورة؟
أولئك الذين، طوال عامين من الجوع والحصار، أطعَموا الناس بكرامة، دون كاميرات ولا أناشيد ولا رقصات مسؤولين.
قدّموا الطعام من جيوبهم، ومن عرقهم، ومن قلوبهم، لا من أموال المنظمات ولا على موائد المنافقين.
لكنهم، عوضاً عن الشكر، حصدوا الرصاص، وداستهم مدرعات “قوات العمل الخاص”، التي تعمل تحت توقيع الوالي، لا تحت عين الله والضمير.

الفرق واضح: من يخدم الناس بصمت، ومن يتاجر بجوعهم أمام العدسات.
من يبني مجداً بعرقه، ومن يسرق آهات الناس ليصنع منها مشهداً دعائياً رخيصاً.

حرب الكرامة؟ لا يا سيدي…
إنها حرب الأكاذيب.
ولا كرامة فيها، إلا “كرامة البليلة”!

فلا تحدثونا عن البطولة، إن كانت تبدأ من شارع عمره مئة عام، وتنتهي عند تكية عدس تُرفع فيها المعاناة على رؤوس الجلادين.

كفاكم عبثاً،
فقد ملّ الشعب من مسرحيتكم الرديئة.

المصدر: صحيفة التغيير

شاركها.